واستوحش في ليله، فلم يأنس إلا بالمؤذن الذي شرع في تلاوة القرآن والأدعية من أعلى صومعة الجامع في آخر الليل وقبل طلوع الفجر، فلما شفاه الله من علته تلك أوقف وقفا لمؤذن خاص يصعد كل ليلة - بعد رقاد الناس - إلى الصومعة لتلاوة القرآن والأذكار والقصائد بصوت حنون، إذ لعل هناك من هو عليل أصابه الأرق فيأنس بما يسمع من صوت المؤذن من أعلى الصومعة، وهذا كله من أثر العقيدة الإسلامية، ورعاية حقوق الأخوة الإسلامية بمكان.
ومن ذلك وقف يأخذ منه الفقير أجرة الوضوء - الغسل - في الحمام حتى لا تفوته صلاة الصبح عن وقتها وهذا من الإعانة على العبادة في وقتها، ومنها ما هو معد للفقراء وأبناء السيل، الخ فأوجه البر كثيرة، والأهم من ذلك كله ما هو معد للمساجد من إصلاح وعمارة وغير ما ذكر.
4 - المظهر الرابع من مظاهر الإسلام المناصب الدينية، فقد صارت تسند إلى رجال غير أكفاء لها، وليس لهم - إلا القليل - من ماضي حياتهم ما يجعلهم ينالون ما أسند إليهم عن جدارة وأهلية، لضعف بضاعتهم فيما أسند إليهم، وعدم تمكن الدين من نفوسهم حتى يدافعوا عنه ويحموه ممن يتربص به الدوائر ويتحين الفرص له لينفذ مرغوبه فيه.
والدافع الذي يدفع المسؤولين إلى إسناد المناصب الدينية إلى من ذكرنا ما يعرفونه فيهم من ضعف، لأنهم سيكونون أطوع لهم من غيرهم الذين لا يتساهلون في التفريط ولو بجزء يسير منه. أو تضييع أي جزء ولو كان مقدار قلامة ظفر، فهم إن لم يكونوا قوة له فلا يكونون عونا على القضاء عليه.
ويولونهم - أيضا - بدعوى أن فيهم مرونة - والإسلام مرن كما يقولون وأنهم يسايرون ركب الاشتراكية، بل ويجعلون الإسلام اشتراكيا - إذا اقتضى الحال - كل ذلك ليرضى عنهم زعماؤها المتحمسون لها، فيكثرون الكلام - كما سمعنا ذلك منهم المرات العديدة - على موافقة الإسلام للاشتراكية - وهم كاذبون - فهم يعملون على تعويض الإسلام بالاشتراكية - وهذا ما يرمي إليه خصومه - ومحو آثاره شيئا فشيئا إلى أن يزول - لا قدر الله ذلك - ويمحى من الوجود، ولا تبقى إلا الاشتراكية، وهذا هو المقصود، فيكون محوه بأيدي من ينتسبون إليه.
فالإسلام دين سماوي قائم بذاته، مستقل بنفسه، وشريعته كاملة لا نقص