بأحرار حتى تنالوا الإمارة والسيادة على الأحرار، وقد غضب عليه السلطان من أجل موقفه هذا، ولكنه فضل - رحمه الله - رضى خالقه عن رضى السلطان، وهكذا ينبغي أن يكون علماء الإسلام، كما قال القائل فيهم:
إن الأكابر يحكمون على الورى … وعلى الأكابر يحكم العلماء
فالقضاء سنة محكمة كما جاء في رسالة عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما، وقد ذكر فيها من أصول الأحكام ما لا يوجد في غيرها من مواد القانون المدني في الوقت الحاضر.
فالقضاء الشرعي يحسم مادة الخلاف من أصلها، ويمحو الخصومات من أساسها إذا تولاه رجال أكفاء قادرون على تحمل مسؤوليته الثقيلة، رجال أطهار - لا نساء كما هو في الوقت الحاضر - ملئت قلوبهم بالإيمان بربهم والنزاهة والخوف من عقابه الذي ينتظرهم إذا هم جاروا عن علم، أو حكموا عن جهل أو هوى، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث: ((القضاة ثلاثة - اثنان في النار وواحد في الجنة - رجل علم الحق فقضى به، فهو في الجنة، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار، ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار)) (?).
والقضاء في الإسلام من الوظائف والمناصب الخاصة بالرجال، نلاحظ هذا في الحديث المتقدم وفي غيره، فإنه لم يقل فيه - امرأة عرفت الحق - وقال أيضا: ((إن الله تعالى مع القاضي ما لم يجر، فإذا جار تبرأ منه وألزمه الشيطان)) (?) وقال أيضا: (لا يقدس الله أمة لا يأخذ ضعيفها من قويها حقه))، (?)، وفي رواية عن جابر رضي الله عنه: ((لا قدس الله أمة لا تأخذ للمظلوم حقه من الظالم غير متعتع)) (?) كما ورد هذا المعنى للحديث المتقدم بلفظ: ((لا تقدس أمة لا يقضى فيها بالحق، ولا يأخذ الضعيف حقه من القوي غير متعتع)) (?). أي من غير أن