ومصالحه، غير أن الواقع بخلاف ذلك، فكم من عامل رفع شكواه وظلامته إلى النقابة التي تتزعم حركة العمال، أو إلى المجلس القضائي الخاص بقضايا العمل والعمال طالبا إليها أن تأخذ له حقه وتنصفه ممن ظلمه، ولكن بدون جدوى وفائدة، انتظار طويل، وتسويف كثير مخل وممل، والعامل المسكين يجيء ويذهب، ويصعد وينزل، إلى أن ييأس، فيترك الدعوى آسفا على ما ضيعه من وقت ومال.
إذ من المشاهد المسلم به أن الطبائع الخلقية قد فسدت وتغيرت وزال من القلوب الخوف من الله القادر على كل شيء، واستحوذ عليها حب الأثرة، ونسي الناس الجبار المنتقم من الظالم للمظلوم، فصارت فطر الناس تتأثر بالمظاهر الظاهرة الخلابة الخادعة، وبما يزينه لها شياطين الإنس والجن، فزال منها الذوق الفطري السليم، وصارت كالآلة الحديدية الصماء تعمل حسب تصميمها ووضعها من غير أن تشعر بأن عليها مراقبا يراقب عملها وسيرها. وكمثل على هذا فليجرب من أراد التجربة، كي يلمس بنفسه ويده ما ذكرته من فساد الطبائع الخلقية وذهاب الروح الدينية إلا من القليل، فليجلس إلى جماعة - أي جماعة كانت - ويشاركهم فيما يدور بينهم من أحاديث وحوار وآراء، فإنه يرى ويسمع منهم العجب العجاب، فلا يسمع إلا ما يستبين به بعد الناس عن الخوض فيما له صلة بالدين وقوانينه، وفرارهم من كل ما فيه صلة بالروحيات والشرائع الإلهية، اللهم إلا النادر القليل، الذي لا زالت فيه بقية صالحة من عقيدة التوحيد وحب الإسلام، فإذا أراد أن يشاركهم فيما يتناولون من مواضيع، وتكلم معهم وطرق في حديثه موضوع الإسلام وقوانينه وعدالته وشريعته وحبها للطهر والفضيلة والأخلاق الطيبة، فإنه سرعان ما يرى الانقباض باديا على الوجوه، هذا إذا لم يتفرق من حوله من كانوا إلى جنبه، فإذا تكلم أحد الجالسين بكلام لا صلة له بالإسلام - وقد يكون منافيا للأخلاق - فإنه يرى الوجوه تتهلل وتستبشر، لماذا هذا التحول السريع فيما يظهر؟ لأن الكلام قد ابتعد عن الجو الديني ودخل ميدانا آخر، وهذا إنما حدث ويحدث غالبا من الدعايات المضللة الملحدة التي تصور الدين وكأنه شر وبلاء، لا خير ورحمة، وساعد هذه الدعاية على تأثيرها في أوساط الشبان المسلمين بالخصوص أنها تملك في حيازتها شتى وسائل الإعلام، من صحافة وإذاعة وغيرهما، ولم يعط