قادم من بعيد، فقال الرسول: ((كن أبا ذر)) فكان هو نفسه، ولما وصل قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ما أخرك إلى الآن؟))، قال:

بعيري الهزيل، ولما أبطأ بي حملت متاعي وجئت أمشي وتركته، فقال فيه الرسول كلمته تلك.

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم يوما مخاطبا أصحابه: ((أيكم يلقاني - يعني يوم القيامة - على الحال الذي أفارقه عليها؟ فقال أبو ذر: أنا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((صدقت)، ثم قال: ((ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق ولا أوفى من أبي ذر شبه عيسى ابن مريم)) (?) وفي رواية أخرى ((من سره أن ينظر إلى زهد عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذر)).

هذه نظرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى صاحبه أبي ذر رضي الله عنه، وهي شهادته فيه، وقد تحقق كل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم في أبي ذر.

وقد كان من علماء الصحابة، في درجة عبد الله بن مسعود في العلم، سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن أبي ذر فقال: (وعى علما عجز فيه، وكان شحيحا حريصا، شحيحا على دينه حريصا على العلم) (?).

وقد اختار أبو ذر الربذة مقرا له كما سلف، وكان يعيش مع زوجته وغلامه فيها فلما حضرته الوفاة أوصى امرأته وغلامه فقال: إذا أنا مت فاغسلاني وكفناني وضعاني على الطريق، فأول ركب يمرون بكم فقولوا هذا أبو ذر، فلما مات فعلا به ذلك، فاطلع ركب، فما علموا حتى كادت ركائبهم تطأ السرير الذي عليه الميت، فإذا عبد الله بن مسعود في رهط من أهل الكوفة، فقال ما هذا؟ قيل جنازة أبي ذر، فاستهل ابن مسعود يبكي وقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: ((يرحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده)) فنزل وتولى هو بنفسه دفنه، هذه رواية وهناك رواية أخرى تثبت أن الركب وجده لا زال حيا فحضر وفاته ودفنه، وقال لهم: قد أصبحت اليوم حيث ترون ولو أن ثوبا من ثيابي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015