إن أبا ذر رضي الله عنه معروف بفكرته تلك، وأول من عرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذلك أن أبا ذر طلب ذات يوم من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستعمله على بعض الولايات، فكان جواب الرسول الكريم الحكيم الرحيم بأمته عليه الصلاة والسلام لصاحبه الذي طلب منه أن يوليه عملا من الأعمال، كان جوابه ما عرفه فيه من أنه لا يصلح للولاية، لا لتهمة وجهت إليه، ولا لخيانة ربما تصدر منه، ولا لجهل بالأعمال والأحكام، ولا، ولا، فالجواب ما ذكره أبو ذر نفسه كما جاء في صحيح مسلم (عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي ثم قال: يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها - الولاية - أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها) (?).
فالولاية وهي الحكم بين الناس ورعاية مصالحهم، تتطلب من الوالي أن يكون حازما شجاعا يقظا لكل ما يطرأ عارفا بسياسة الحكم يداري الناس في سبيل المصلحة العامة الخ، فالرسول صلى الله عيه وسلم عرف أن صاحبه أبا ذر لا يصلح للولاية والحكم، ولهذا قال له ما قال - شفقة عليه من تبعات الولاية - ولم يعطه أية ولاية لضعفه عنها، ولا يسمى هذا نقصا أو تنقيصا في مرتبة أبي ذر، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال:
((اعملوا فكل ميسر لما خلق له)) (?)، وأيضا فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعطي الولاية من يطلبها أو يحرص عليها.
ونذكر هنا قول الرسول عليه الصلاة والسلام في أبي ذر رضي الله عنه: ((رحم الله أبا ذر يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده)) (?) قال فيه هذا عندما خرج الرسول عليه الصلاة والسلام في جيشه قاصدا تبوك، وخلف أبا ذر بعيره الهزيل الذي لم يستطع مسايرة الجيش، فتخلف عنه، ولما تفقده الرسول لم يجده فسأل عنه، وبينما الناس ينظرون إلى الطريق رأوا رجلا راجلا قادما إليهم من بعيد، فقالوا: يا رسول الله هذا رجل