فجعلت تقضي حوائجه، قال ففضل معها سلع، قال: فأمرها أن تشتري به فلوسا، قال: قلت: لو اذخرته للحاجة تبوء بك، أو للضيف ينزل بك، فقال: (إن خليلي عهد إلي إن أي مال - ذهب أو فضة - أوكي عليه فهو جمر على صاحبه حتى يفرغه في سبيل الله).
وأخرج أبو نعيم في الحلية - بسنده - عند الكلام على أبي ذر في ترجمته قال: بعث حبيب بن سلمة - وهو أمير الشام - إلى أبي ذر بثلاثمائة دينار وقال استعن بها على حاجتك، فقال أبو ذر لمن جاءه بها: ارجع بها إليه، أما وجد أحدا أغر بالله منا؟ ما لنا إلا ظل نتوارى به، وثلة من غنم تروح علينا، ومولاة تصدقت علينا بخدمتها، ثم إني لأتخوف الفضل. وقال أبو نعيم أيضا من طريق آخر عن أبي ذر: إني لأقربكم مجلسا من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، وذلك أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أقربكم مني مجلسا يوم القيامة من خرج من الدنيا كهيئة ما تركته فيها)) وإنه والله ما منكم من أحد إلا وقد تشبث بشيء منها غيري.
والمعروف أيضا أن أبا ذر عندما كان في الشام كان يبث في الناس مبدأ الزهد في الدنيا، وينهاهم عن كنز المال وادخاره، وحاول أن يحمل الناس على رأيه ومذهبه فلم يستطع، وأحرج بعمله هذا موقف العامل فيها - أي في الشام - وهو معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، ووقع بينهما خلاف في فهم الآيتين الكريمتين من كتاب الله عز وجل وهما قوله تعالى:
{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} (?).
فاختلف الصحابيان - أبو ذر ومعاوية - في فهمهما، فمعاوية رآى أنهما نزلتا في حق أهل الكتاب خاصة، خصوصا وذلك بعد قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ