علمنا أن ما أذاعه خصوم الإسلام عن الإسلام إنما هو دسيسة ومكيدة ميتة، وإن ستروا وجهها بستار التقدم والرقي ومسايرة الوقت، وما هذه في الحقيقة إلا بقية من بقايا الحروب الصليبية، ولكنها بسلاح آخر، وبأسلوب مغاير لأساليب الحروب الصليبية القديمة المعروفة.
كل من عرف الإسلام يعرف أنه لم يمنع المسلمين من التقدم والرقي في حدود الحق والعدل والفضيلة، إنما يمنع الإسلام أتباعه من الظلم والجور والإباحية والرذيلة وجميع أنواع الشرور والمفاسد، والتاريخ شاهد عدل، فقد قص علينا أن الإسلام جعل المسلمين يسبقون غيرهم من الأمم مهما تقدمت هذه الأمم وارتقت.
يتساءل ذوو الرأي المسلمون قائلين: هل ما نشاهده في بعض الأوطان الإسلامية بوادر تنذر بعودة المزدكية ... ؟ سؤال يفرض نفسه أما جوابه فيأتي من واقع حياة الحكام والشعوب الإسلامية في هذه الأزمنة الأخيرة، وخاصة بعد استقلال هذه الشعوب وتولي حكام تربوا في أحضان المستعمرين، والكثير منهم اغتصبوا الحكم إما بقوة الجند وإما بالاحتيال والخديعة، ففعلوا ما أرادوا وخنقوا حريات الشعوب ولم يتركوا لها حريتها لتعبر عما في ضمائرها عن نوع الحكم الذي تريده وترغب فيه، والذي ظهر من تصرفات هؤلاء الحكام أنذر برجوع المذهب المزدكي، وهو ظاهر لا خفاء فيه، وذلك بسعي حثيث من خصوم الإسلام، فهم يحاولون جادين تأييد المزدكية - العصرية - الملعونة، والتي عرفنا فيما سبق أهدافها وغاياتها من قبل النساء والأموال، ونزيد هنا هذا العنصر الأخير - المال - من عنصري المزدكية بيانا وتوضيحا.
تعمل المزدكية على انتزاع الأموال من أربابها الذين تعبوا في اكتسابها بوسائل شريفة ونزيهة وعادلة، وبطرق شرعية وقانونية، في حين أن الإسلام يقر الناس على ما اكتسبوه، ويترك لهم أموالهم ليتملكوها إذا أدوا ما عليهم من فروض، فالدين الإسلامي الخالد يأمر بالعدل وينهى عن الظلم، كما قال علام الغيوب: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى