لياليَّ يزها بي شبابٌ وشدّة ... وغذ بي من خفض المعيشة لين
أخبرني محمد بن المرزبان عن إسحق بن محمد بن أبان قال: حدثني عن بن سهل عن المدائني أنه ذكر عنده مجنون بني عامر فقال لم يكن مجنوناً وإنما قيل له المجنون بقوله:
وإني لمجنون بليلى موكلٌ ... ولست عزوفاً من هواها ولا جلدا
إذا ذكرت ليلى بكيت صبابةً ... لتذكارها حتى يبل البكا الخدّا
أخبرني عمر بن جميل العتكي قال، حدثنا إبن شبة قال: حدثنا عون بن عبد الله العامري قال: ما كان والله المجنون الذي تعزونه إلينا مجنوناً إنما كانت به لوثه وسهو أحدثهما به حب ليلى، وأنشد له:
وبي من هوى ليلى الذي لو أبثه ... جماعة أعدائي بكت لي عيونها
أرى النفس ن ليلى أن تطيعني ... فقد جنّ من وجدي بليلى جنونها
أخبرني إبن المزبان قال: قال العتبي إنما سمي المجنون بقوله:
يقول أناسٌ علّ مجنون عامر ... يروم سواً قلت أني بيا
وقد لامني في حب ليلى قرابتي ... أخي وأين عمي وإبن خالي وخاليا
يقولون ليلى أهل بيت عداوة ... بنفسي ليلى من عدوٍ وماليا
ولو كان في ليلى شذاً من خصومة ... لألويت أعناق الخصوم الملاويا
أخبرني هاشم الخزاعي عن عيسى بن إسماعيل قال: قال بن سلام: لو حلفت أن مجنون بني عامر لم يكن مجنوناً لصدقت ولكن قوله لما زُوّجت ليلى وأيقن اليأس منها، ألم تسمع إلى قوله:
يا ويح من أمسى يخلس عقله ... فأصبح هذهوباً به كل مذهب
خليعاً من الخلان إلا مجاملاً ... يساعدني من كان يهوى تجنبي
إذا ذكرت ليلى عقلت وراجعت ... عوازب قلبي من هوى متشعب
قال: وأنشدنا له أيضاً:
وشغلت عن فهم الحديث سوى ... ما كان فيك فإنه شغلي
وأديم لحظ محدثي ليرى ... أن قد فهمت وعندكم عقلي
أخبرني إبن المزربان عن محمد بن الحسن بن دينار الأحول عن علي بن المغيرة الأثرم عن أبي عبيدة أن صاحبة مجنون بني عامر التي كلف بها ليلى بنت مهدي بن سعد بن مهدي بن الحريش وكنيتها أم مالك. وقد ذكر هذه الكنية المجنون في شعره فقال:
تكاد بلاد الله يا أم مالكٍ ... بما رحبت يوماً عليّ تضيق
وقال أيضاً:
فإن الذي أملت من أم مالكٍ ... أشاب قذالي وأستهام فؤاديا
خليليّ إن دارت على أم مالك ... صروف الليالي فأبغيا لي ناعيا
وقال أبو عمرو الشيباني: علق المجنون ليلى بنت مهدي ن سعد بمن بني الحريش وكنيتها أم مالك، فشهر بها وعُرف خبره فحٌجبت عنه، فشق ذلك عليه، فخطبها إلى أبيها فردّه وأبي أن يزوجه إياها، فأشتد به الأمر حتى جن وقيل فيه مجنون بني عامر، فكان على حاله يجلس ي نادي ومه فلا يفهم ما يحدّث به ولا يعقله أحد إلا إذا ذكرت ليلى.
وأنشد له ابو عمرو:
الا ما لليلى تُرى مشجعي ... بليل ولا يجري بذلك طائر
بلى أن عجم الطير تجري إذا جرت ... بليلى ولكن ليس للطير زاجر
أزالت عن العهد الذي كان بيننا ... بذي الأئل أم قد غيرتها المقادر
فوالله ما في القرب لي منك راحة ... ولا البعد يسليني ولا أنا صابر
ووالله ما أدري بأية حلة ... وأي مرامٍ أو خطار أخاطر
وتالله أن الدهر في ذات بيننا ... علي لها في كل حال لجائر
فلو كنت إذا أزمعت هجري تركتني ... جميع القوى والعقل مني وافر
ولكن أيامي بحقل عنيزة ... وبالرضم أيامٌ جناها التجاور
وقد أصبح الود الذي كان بيننا ... أماني نفس والمؤمل حائر
لعمري لقد رنقت يا أم مالك ... حياتي وساقني إليك المقادر
قال أبو عمرو: