بعد أن عرفوا وجه اختياره على غيره، حتى صنع زهير الحوليات على وجه التقيح والتثقيف، يصنع القصيدة ثم يكرر نظره فيها، خوفًا من التعقب، بعد أن يكون قد فرغ من عملها في ساعة أو ليلة، وربما رصد أوقات نشاطه فتباطأ عمل لذلك والعرب لا تنظر في أعطاف شعرها بأن تجنس وتطابق أو تقابل، فتترك لفظة للفظة، ومعنى لمعنى، كما يفعل المحدثون. ولكن نظرها في فصاحة الكلام وجزالته، وبسط المعنى وإبرازه، وإتقان بنية الشعر، وإحكام عقد القوافي، وتلاحم الكلام بعضه ببعض، حتى عدوا من فضل صنعة الحطيئة حسن نسقه بعضه على بعض في قوله:
فلا وأبيك ما ظلمت قريع ... بأن يبنوا المكارم حيث شاءوا
لا وأبيك ما ظلمت قريع ... ولا برموا بذاك ولا أساءوا
بعثرة جارهم أن ينعشوها ... فيغبر حوله نعم وشاء (?)
فيبني مجدها ويقيم فيها ... ويمشي إن أريد به المشاء
ولإن الجار مثل الضيف يغدو ... لوجهته وإن طال الثواء
وإني قد علقت بحبل قومٍ ... أعانهم على الحسب الثراء
وكذلك قول أبي ذؤيب، يصف حمر الوحش والصائد:
فوردن والعيوق مقعد رابيء الضـ ... ـــــضرباء خلف النجم لا يتتلع (?)
فكر عن في حجرات عذبٍ باردٍ ... حصب البطاح تغيب فيه الأكرع