الأوائل كانوا يتعمدون المجانسة السجعية والازدواجية على حسب ما وضحناه. وازيدك أدلة أقوى، على ما سلف، قول أبي المثلم الهذلي (?):

لو كان للدهر مال كان متلده ... لكان للدهر صخر مال قنيان

آبى الهضيمة متلاف الكريمة نا ... بٍ بالعظيمة جلد غير ثنيان

حامي الحقيقة معتاق الوسيقة نسـ ... ـــــال الوديقة لا سقط ولا وان

مناع مغلبةٍ ركاب سلهبة ... رباء مرقبة سرحان فتيان

فمراعاة السجع في حشو الأبيات مع التقسيم العروضي، لا يمكن لزاعم أن يزعم عنهما أنهما داءً من غير تأت وتصيد.

هذا، وبحسبنا أن القدماء أنفسهم قد تنبهوا إلى وجود طبقة من بين شعرائهم، يتكلفون القول بشكل واضح، وقد سموا هؤلاء المجودين وأصحاب الحوليات وعبيد الشعر. لا بل إن القدماء قد تنبهوا إلى أن جميع ما لديهم من الأشعار ينتظمه لونان من التعبير: التكلف والتدفق، والتطبيع والتصنيع. وقد حاول ابن رشيق القيرواني أن يعتذر عن اللون الذي سماه الأوائل صناعة وتكلفا (عسى لأن هذه الكلمة الثانية قد كادت تفقد معناها الاصطلاحي القديم في عصره) بقوله: (العمدة 1: 108 - 109): "ومن الشعر: مطبوع، ومصنوع. فالمطبوع هو الأصل الذي وضع أولًا، وعليه المدار. والمصنوع وإن وقع عليه هذا الاسم، فليس متكلفا تكلف (?) أشعار المولدين، ولكن وقع فيه هذا النوع الذي سموه صنعة، من غير قصد أو تعمل، ولكن بطباع القوم عفوا، فاستحسنوه ومالوا إليه بعض الميل،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015