وجنب، خرج من صف ما كان وصفه من الدمار والنار إلى صفة نشوة النصر وما يصنعه أهل الفتح من الإباحة:
لم تطلع الشمس فيهم يوم ذاك على ... بان بأهل ولم تغرب على عزب
فهذه إباحة، قتل وسباء. فالباني على أهله قتل وأخذت امرأته. والغازي العزب بات وله صاحبة فليس بعزب. وزعم بعض المعاصرين أن بائية أبي تمام كلها مدارها على الجنس. وصدق ابن قتيبة قبل دهر «فرويد» بأن الجنس كل ضارب فيه بسهم وآخذ منه بنصيب حلال أو حرام. ولكن ليس معنى ذلك أن نلتمس الجنس فنجده في كل مقال. وتشبيه أبي تمام لعمورية بالبرزة المستعصية والبكر المطلوبة بأشد الطلب قريب جميل. وصفته ما وقع من تحريق وتقتيل وسباء عمل شاعر متقن، وقد انتبه ونبهنا إلى الجانب غير الحسن من ذلك، مما ينبئ بدقة إحساسه المرهف كل إرهاف وإنسانية نفسه مع التزامه بهذا التغني الواضح القوي الجهير بنصر الخلافة والإسلام والعرب وذلك قوله:
ما ربع مية معمورًا بطيف به ... غيلان أبهى ربا من ربعها الخرب
يعني أبو تمام أنه معمور بحسن نعت غيلان له، إذ لم يكن حقًا معمورًا لما وقف غيلان عنده في مثل قوله:
وقفت على ربع لمية ناقتي ... فما زلت أبكي عنده وأخاطبه
وأسقيه حتى كاد مما أبثه ... تكلمني أحجاره وملاعبه
فقد جعله غيلان هنا معمورًا بالذكرى، وكقوله:
خليلي عوجا من صدور الرواحل ... بجمهور حزوي فابكيا في المنازل
لعل انهمال الدمع يعقب راحة ... من الوجد أو يشفي نجى البلابل
وقوله:
أدارًا بحزوى هجت للعين عبرة ... فماء الهوى يرفض أو يترقرق
ثم أكثر ما يصفه غيلان وأكثر ما يصف الشعراء الربوع حين تبدل من أهلها أصناف الوحش وتصير رياضًا ومراتع، فهذا لها حسن وعمران، وقد نعلم شغف حبيب