ثم يقول رحمه الله:

فكأني بها أرحل من مكة ... شمسًا سماؤها البيداء

موضع البيت مهبط الوحي مأوى الر ... سل حيث الأنوار حيث البهاء

حيث فرض الطواف والسعي والحلـ ... ـــــق ورمي الجمار والإهداء

حبذا حبذا معاهد منها ... لم يغير آياتهن البلاء

البلى بكسر الباء والبلاء مقصور ومدود لغتان صحيحتان. وهذا البيت يقوي ما ذكرناه من قصده إلى الترنم كالقدماء، فقال حبذا هذه الديار والمعاهد ولكنها على قدمها معمورة لم يغيرها البلى، وكان القدماء يتغنون على الذكرى بديار كانت مأهولة ثم أقوت وأقفرت بعد عهد الأحباب. ولذلك أخذ الخليل على الآخر قوله الذي ذكره ابن قتيبة في مقدمته:

أنبت تفاحًا وإجاصًا

لأن التفاح والإجاص إنما يكونان في البساتين ومع التعهد بالسقي في المكان الآهل وليس كقول من قال:

أنبت قيصومًا وجثجاثًا

لأن هذه نباتات برية إنما تنبت بعد خلو الدار من أهلها.

حرم آمن وبيت حرام ... ومقام فيه المقام تلاء

المقام معًا مفتوحة الميم أو الثانية مضمومتها أو الأولى مضمومتها أو كلتاهما مضمومتها. فعلى الأول فالمقام مقام إبراهيم والقيام فيه جوار وذمة في حرم الله. وعلى الثاني فالمقام مكان الإقامة (اسم مكان رباعي) والمقام بمعنى القيام أو بمعنى مقام إبراهيم أي موضع قيامه والصلاة فيه جوار وذمة عند الله. وعلى الوجه الثالث فالمقام مكان الإقامة (رباعي) والإقامة فيه (مصدر ميمي رباعي) جوار وتلاء بمعنى الجوار ووزن سحاب.

فقضينا بها مناسك لا يحـ ... ـــــــمد إلا في فعلهن القضاء

لأن قضاء الصلاة مثلًا يكون بعد فوات وقتها وقضاء الدين من هذا المعنى وإن حمد هو فإن الدين ليس في ذاته بمحمود ولذلك قال الشاعر:

يلومونني في الدين قومي وإنما ... ديوني في أشياء تكسبهم حمدًا

فلو كان في ذاته أمرًا حميدًا ما كان قومه ليلوموه فيه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015