فأقضت على مباركها بر ... كتها فالبويب فالخضراء
فالقباب التي تليها فبئـ ... ــــــر النخل والركب قائلون رواء
وغدت أيلة وحقل وقر ... خلفها فالمغارة الفيحاء
ثم عد المنازل. فذكر النبهاني أن العارف الصاوي رحمهما الله ذكر في حاشيته على الهمزية أن الناظم ترك منازل خمسة قبل الحوراء. قلت وما أرب الناظم أن يسرد المنازل نظمًا وإنما تغنى بها كما كان الشعراء يتغنون بمعاهد الديار ومنازل الأحبة لا يعنون بذلك سردًا جغرافيًا. ولو عد البوصيري عشرة منازل أو أربعين أو ثلاثين أو عشرين ثم قال من بعد كما قال بعد ذكره ما ذكر منها:
هذه عدة المنازل لا ما ... عد فيه السماك والعواء
لاستقام له المعنى واللفظ والسياق، إذ ليس قصده المطابقة بين عدد منازل القمر وما يعد من أسماء منازل الحج كما ليس قصده أن يذكر سردًا منظومًا بكل منازل الحج ولقد تنقص وتزيد بحسب نوع السير وحتى على تقدير ألا تزيد ولا تنقص، إذ قصده كما قدمنا الطرب والذكر بنغم التغني بهذه المنازل ولقد قال مما يشهد بصحة ذلك:
أطرب السامعين ذكر علاه ... يا لراح مالت بها الندماء
ومناسبة قوله:
هذه عدة المنازل لا ما ... عد فيه السماك والعواء
ليست في مطابقة عدد ما ذكره لعدة منازل القمر. ولكنها كامنة في حقيقة تنبيهه على أنه يذكرها للشوق والحب وطربًا بها كما كان يفعل فحول الشعراء الأولون، وقد ترك الشعراء ذلك أو كادوا منذ ماتت القصيدة المادحة الدنيوية القديمة. وقد ترنم أبو الطيب طربًا بذكر نجاته من كافور فعدد المنازل إلى العراق تعداد ترنم لا سرد. وقد كان عصر البوصيري وعصور كثيرة قبله وبعده إلى يومنا هذا لها ولع بالطوالع والنظر في النجوم وطلب معرفة الحظ ومخبوء الغيوب من طريقها، ليس قول البوصيري رحمه الله:
وهذه عدة المنازل لا ما ... عد فيه السماك والعواء
يخلو من النقد لهذا الولع الخاطئ.
فمن أخذ عليه حذف خمسة مواضع أو نحو ذلك فقد ضيق من فسحة معناه الكبير الواسع.