ناشدوه القربى التي من قريش ... قطعتها الترات والشحناء
فعفا عفو قادر لم ينغصـ ... ـــــه عليهم بما مضى إغراء
وإذا كان القطع والوصل للـ ... ــــــه تساوى التقريب والإقصاء
ثم أخذ بعد في باب من المدح من أسنى ما قال وأجوده، جمع فيه بعد طريق الجدل والوصف والقصص والخطابة، طرقًا من عذب الغناء ورنانة واستخفه الطرب فركب الناقة وعدد المنازل إلى دار الحبيب وهذا لشعراء العرب منهج، حتى في اللغة الدارجة، وقد اتبعه المتنبي في مقصورة خروجه من مصر «ألا كل ماشية الخيزلي» ومن قبل صنع ذلك أبو نواس حين قصد الخصيب بمصر في «أجارة بيتينا أبوك غيور» - وهنا شاعر مصري مغربي مسلم حنيف يفر إلى الله وإلى الحبيب لا من خوف ملك ولكن لخوف الملك الجبار، ورجاء إيفاء طاعة الدين حقها، ويقصد لا صاحب جاه من جاه الدنيا كالخصيب، ولكن صاحب جاه الآخرة، الماحي الشفيع عليه الصلاة والسلام:
وسواء عليه فيما أتاه ... من سواه الملام والإطراء
ولو أن انتقامه لهوى النفـ ... ــــس لدامت قطيعة وجفاء
قام لله في الأمور فأرضى الـ ... ـــــله منه تباين ووفاء
فعله كله جميل وهل ينضـ ... ـــــح إلا بما حواه الإناء
أطرب السامعين ذكر علاه ... يا لراح مالت بها الندماء
ثم أخذ في قري غناء مطرب:
النبي الأمي أعلم من أسند عنه الرواة والحكماء
هذا كقوله في البردة «كفاك بالعلم في الأمي معجزة البيت»
وعدتني ازدياره العام وجنا ... ء ومنت بوعدها الوجناء
أفلا أنطوى لها في اقتضائيـ ... ــــــه لتطوى ما بيننا الفلاء
أي الصحاري جمع فلاة. أنطوى أي أطوى نفسي على طية بكسر الطاء أي نية يعني نية الحج. أي أفلا أصدق النية والعزم في اقتضائي لها أن توفي بوعدها لكي توفيه فتطوى ما بيننا الصحاري.
بألوف البطحاء يجفلها النيـ ... ـــــل وقد شف جوفها الأظماء
بناقة تألف بطحاء مكة وتجفل عن النيل ولو طالت أظماؤها جمع ظمء، بكسر الظاء وهو مدة ما بين الشرابين للإبل. وفي الناقة كناية عن نفسه، إذ حركة شوق الطاعة بالحج وزيارة الحبيب، ثم جعل يعد المنازل، وقد قصد مكة أولًا، ليحرم من الميقات ويحج ثم بعد ذلك قصد طيبة لزيارة قبره صلى الله عليه وآله وسلم وحرمه الشريف.