وأثارت بأرض مكة نقعًا ... ظن أن الغدو منها عشاء
أحجمت عنده الحجون وأكدى ... عند إعطائه القليل كداء
قال النبهاني ما معناه أنه هو كداء بضم الكاف كأن الشاعر مد المقصور قال رحمه الله أحجمت كفت وأمسكت، وعنده عند غبار الحرب، والحجون الجبل المطل على مقبرة مكة المشرفة وهو كداء بالفتح والمد ومنه دخل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وأكدى قل خيره وكدى بالضم والقصر ويمد كما هنا موضع بأسفل مكة ومنه دخل خالد بن الوليد رضي الله عنه ووقع فيه حرب قليل مع أوباش مكة.
قلت هذا الوجه الذي ذكره لا بأس به. وعندي أنه لم يرد بالحجون إلا مكة والحجون جبل مكة فأنثه لمعناها وكداء بالفتح والمد هو الذي ذكره حسان رضي الله عنه:
عدمتم خيلنا إن لم تروها ... تثير النقع موعدها كداء
وقد ذكر البوصيري النقع (?) ولا حاجة به إلى قصر الممدود وعنى بكداء مكة كل ذلك، من إطلاق الجزء على الكل. أي أحجمت مكة فلم تقاتل لاستسلام أبي سفيان وسائر السادة وأعطت من القتال قليلًا ثم تركته يشير إلى يوم الخندمة، حيث جمع صفوان وعكرمة جمعًا قال الراجز:
إنك لو رأيت يوم الخندمة
إذ فر صفوان وفر عكرمة
ولحقتنا بالسيوف المسلمة
لهم نهيت خلفنا وزمزمة
يضربن كل هامة وجمجمة
لم تنطقي في اللوم أدنى كلمة
ويشير إلى قوله تعالى: {وأعطى قليلا وأكدى} أي صار كالحجر لا عطاء عنده.
أحجمت عنده الحجون وأكدى ... عند إعطائها القليل كداء
أي خلا من كل مقاومة وهو الموضع الذي دخل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ودهت أوجهًا بها وبيوتًا ... مل منها الإكفاء والإقواء
إكفاء القدور وإقواء الديار أي خلوها وألغز بالإكفاء والإقواء والبيوت إذ ذلك كله من ألفاظ الشعر.
فدعوا أحلم البرية والعفـ ... ــــــو جواب الحليم والإغضاء