زرع عند بيتك المحرم} وزعم البكري أن فاران معدن حديد ببلاد بني سليم وأنشد
متى كان للقينين قين طمية ... وقين بلي معدنان بفاران
وفران بوزن سحاب في أنساب بلي، وقيل فرعون موسى عليه السلام كان من بلي. وفي خبر إسماعيل في التوراة أنه وأمه عاشا ببرية فاران فتأمل. هذا، وتفاصيل ما ذكره البوصيري من كلام أهل الكتابين كثيرة عنده، دقيقة معرفته بها، وإنما هذا الذي أوردناه لمع ونتف وأمثلة.
ومن جيد مديحه في هذه اللامية:
إن أنكروا فضل النبي فإنما ... ألقوا على ضوء النهار سدولا
واسمع كلامهم ولا تجعل على ... ما حرفوا من كتبهم تعويلا
لولا استحالتهم لما ألفيتني ... لك بالدليل على الغريم محيلا
وصدق.
ومجاملة أهل الكتاب ومجادلتهم بالتي هي أحسن ذلك هو الواجب في حقنا وحقهم، ولكنه في المبشرين بغى وفرط طعون في عصرنا هذا لا تقل عما كان لأسلافهم من أصحاب محاكم التفتيش، أولئك بسطوة عذابهم، وهؤلاء بتزيد أقلامهم وضروب أساليب دعايتهم ودعاواهم.
والذي ذكره البوصيري من تحريف كتبهم هو ما عليه اعتقادنا فيهم. ومن المعاصرين في زماننا من يلتمس لكثير مما جاءوا به التخريجات على وجه من وجوه علوم العمران والاجتماع وغير ذلك، كأن يقال إن قصة العيص ويعقوب رمز لأن أهل الحواضر والنعمة أكثر كيدًا ومكرًا من أهل الشدة والبداوة. وليس هذا بمخرجها من أنها محرفة وليست بصفة حق لنبي الله يعقوب عليه السلام. ومسألة بكارة العيص مشكلة لأنهم لم يذكروا بين إسمعيل وإسحق بكارة وكان إسمعيل هو البكر، إلا أن يقال إنهما كليهما بكران بالنسبة إلى أميهما. وأبناء يعقوب لم يكن لأكبرهم فضل على يوسف وأخيه وإيثار أبيه لهما دليل على نفي أحقية البكارة. فتكون البكارة شيئًا دب تحريفه إلى اليهود من الأمم التي خالطوها، وليس في أصل عرفهم أو عبادتهم، كما دبت إليهم عبادة العجل، من آبيس، والأصنام التي زعموها لراحيل، وحسنًا صنع الإمام شرف الدين البوصيري إذ نصح ألا نعول على ما حرفوا وما أولوا في هذا المجال. ولكن نعول على القرآن والحديث. قال تعالى: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى}. وقد ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم غضب حين رأى مع عمر رضي الله عنه