قوله فانتقل منه إلى وصف مجلسه عليه الصلاة والسلام ثم حديثه ثم ذكر قبره الشريف فجعل وفاته صلى الله عليه وسلم مدخلًا لذكر مولده وما كان معه من معجزات وإرهاصات.

كأنه وهو فرد في جلالته ... في عسكر حين تلقاه وفي حشم

كأنما اللؤلؤ المكنون في صدف ... من معدني منطق منه ومبتسم

لا طيب يعدل تربًا ضم أعظمه ... طوبى لمنتشق منه وملتثم

وإنما أوردنا أبيات البردة هذه بمعرض الحديث عن أسلوبه في الجدل، ولا تتم لنا صورة واضحة عن مقدرة البوصيري في هذا الباب إن لم نشر ولو قليلًا إلى لاميته.

جاء المسيح من الإله رسولا ... فأبى أقل العالمين عقولا

وهي من روائع هذا الحرف، ينبغي أن يجعل لها مكان مع:

ما بال دفك بالفراش مذيلا

ومع: في الخد أن عزم الخليط رحيلا

وفيها مع الرصانة التي وهبها الله البوصيري رحمه الله نفسه الطويل من غير ضعف أو إسفاف، وذلك أمر قصر عنه مقدرة علي بن العباس على رسوخ قدمه في البلاغة ولم يتهيأ إلا قليلًا لابن دراج وبعض فحول أندلس. وأبياتها نيف وتسعون ومائتان. ولنا إلى أمر هذا الطول عودة إن شاء الله. وإذ نحن بصدد الحديث عن البوصيري ومكانه بين مداح الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يتسع مكان هذا الفصل من هذا الكتاب لإيفاء الحديث عنه، فعسى أن يحسن ذكر شيء منها، هو من باب ما تقدم من أمر احتجاجه للإسلام ودفعه دعاوى أهل الكتاب خاصة وأهل الكفر عامة.

وقد ألف بعض فضلاء العصر من مسلمي الهند وباكستان وغيرهما ومن مسلمي العرب فصولًا حسنة في هذا المعنى. ولعله لو انتبه منهم منتبه إلى هذه القصيدة أن يجد فيها كنوزًا وروائع. ولا بد لإنصافها من إيرادها كلها مع الإشارات والشروح الوافية وذلك ما لا نستطيعه في هذا الموضع. ولم تشتهر هذه القصيدة اشتهار البردة والهمزية لما تضمنته من علوم أهل الكتاب، فكان بعض العلماء ربما نفروا من ذلك لما عندهم من أن كتب أهل الكتب شاملها التحريف وأن ينقبض عنها المسلم أفضل. والذي مضى عليه الإمام شرف الدين أدخل في باب البحث والتحقيق. وما أشك أن من تناولوا الموضوعات التي طرقها من مستشرقي أهل الكتاب ومن إليهم لم يخلوا من قصد الرد عليه ومن حاق الانتفاع بما أورده. وفضلاء المسلمين وعلماؤهم أولى بأن يغترفوا من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015