هل أراد رحمه الله بهذا قول من كانوا يذكرون رؤيته صلى الله عليه وسلم ويباهون بها على طريق التصوف؟
المعنى أن حقيقة الرسول صلى الله عليه وسلم في خلقه العظيم ومقامه الجسيم وما خبأ الله له من الشفاعة وما أعطاه في أم الكتاب من المجد وما أشرب القلوب من محبته وألزم أهل اليقين من التزام شرعه وصدق الإيمان بما أنزل إليه -فهذا لا بد معه من التقوى والعلم الذي يعلمه الله بها من يتقيه، وذلك لا يدرك في منام ولا بأحلام- على أن الرؤيا الصادقة جزءً من أربعين جزءًا من النبوة، وليست الرؤيا الصادقة من باب محض أحلام المنام، فأحسب أن هذا قد يدخل في مراده رحمه الله، والله أعلم.
فمبلغ العلم فيه أنه بشر ... وأنه خير خلق الله كلهم
هذا بيت القصيد، ومحتو على حجة على القائلين بألوهية عيسى عليه السلام وبأن عزيرًا ابن الله تعالى الله عن ذلك. ثم أخذ رحمه الله من بعد في رجعة إلى معنى الشفاعة والمقام المحمود ثم إلى تغن خالص محض عذب.
وكل آي أتى الرسل الكرام بها ... فإنما اتصلت من نوره بهم
هذا في معنى البشارة ويلابسه معنى عالم الذر وما سطر في أم الكتاب.
فإنه شمس فضل هم كواكبها ... يظهرن أنوارها للناس في الظلم
كان المسلمون يعلمون من أمر الهيئة كثيرًا وعنه أخذ الآخذون ممن يدعي لهم السبق في هذا المجال مثال كوبر نكس البولندي.
أكرم بخلق نبي زانه خلق ... بالحسن مشتمل بالبشر متسم
كالزهر في ترف والبدر في شرف ... والبحر في كرم والدهر في همم
وهذا التقسيم جيد، إلا أن قوله والدهر في همم دون الأقسام الثلاثة التي قبله وأتى فيه والله أعلم من جهة النظر إلى أبي الطيب في نحو قوله:
تجمعت في فؤاده همم ... ملء فؤاد الزمان إحداها
فعلى هذا المعنى يمكن توجيه قوله. والزهر المترف والبدر ذو الشرف والبحر الغيداق كل أولئك من طبيعة النيل، ولك أن تقول فالدهر اختلاف الفتيين (أي الليل والنهار) وذلك أيضًا من طبيعة النيل لعل الذي جاء به هو الوجه الجيد، ووجوه القول أحيانًا مما تشتبه وتلتبس ومهما يكن فهذا التقسيم المليح خاتمة حسنة لهذا الفصل من