لو ناسبت قدره آياته عظمًا ... أحيا اسمه حين يدعى دارس الرمم
لا ريب أن آياته ناسبت قدره، وحسبنا معجزة القرآن إلا أن المعنى الذي قصد إليه حسن، إذ يلمح فيه معنى أنه لا ينبغي أن يعد إحياء الموتى درجة ميز بها غيره عليه صلى الله عليه وسلم. أما زعمنا المناسبة فإن معجزة كل نبي، والله أعلم حيث يجعل رسالاته، تشابه ما برز فيه أهل زمانه، فموسى عليه السلام قهر أهل السحر وعيسى عليه السلام أعجز الأطباء وكان أهل زمانه برعوا في الطب ومحمد صلى الله عليه وسلم أرسل إلى البلغاء اللد فبهرهم وقهرهم. على أن مراد البوصيري أن مناسبة معجزاته كانت على أقدار من أرسل إليهم وقدره صلى الله عليه وسلم فوق كل مقدار. والله تعالى أعلم.
أعيا الورى فهم معناه فليس يرى ... في القرب والبعد منه غير منفحم
كالشمس تظهر للعينين من بعد ... صغيرة وتكل الطرف من أمم
أي من قرب.
وكيف يدرك في الدنيا حقيقته ... قوم نيام تسلوا عنه بالحلم
هل أراد رحمه الله بهذا قول من كانوا يذكرون رؤيته صلى الله عليه وسلم ويباهون بها على طريق التصوف؟
المعنى أن حقيقة الرسول صلى الله عليه وسلم في خلقه العظيم ومقامه الجسيم وما خبأ الله له من الشفاعة وما أعطاه في أم الكتاب من المجد وما أشرب القلوب من محبته وألزم أهل اليقين من التزام شرعه وصدق الإيمان بما أنزل إليه -فهذا لا بد معه من التقوى والعلم الذي يعلمه الله بها من يتقيه، وذلك لا يدرك في منام ولا بأحلام- على أن الرؤيا الصادقة جزءً من أربعين جزءًا من النبوة، وليست الرؤيا الصادقة من باب محض أحلام المنام، فأحسب أن هذا قد يدخل في مراده رحمه الله، والله أعلم.
فمبلغ العلم فيه أنه بشر ... وأنه خير خلق الله كلهم
هذا بيت القصيد، ومحتو على حجة على القائلين بألوهية عيسى عليه السلام وبأن عزيرًا ابن الله تعالى الله عن ذلك. ثم أخذ رحمه الله من بعد في رجعة إلى معنى الشفاعة والمقام المحمود ثم إلى تغن خالص محض عذب.
وكل آي أتى الرسل الكرام بها ... فإنما اتصلت من نوره بهم
هذا في معنى البشارة ويلابسه معنى عالم الذر وما سطر في أم الكتاب.
فإنه شمس فضل هم كواكبها ... يظهرن أنوارها للناس في الظلم