فاق النبيين في خلق وفي خلق ... ولم يدانوه في علم وفي كرم
وكلهم من رسول الله ملتمس ... غرفًا من البحر أو رشفًا من الديم
اللفظ هنا رشيق لمزاوجته قوله «غرفًا من البحر» بقوله «رشفًا من الديم»، والغرف يناسب البحر وأهل النيل يعرفون ذلك والرشف يناسب الديم عقلًا ولكن قل من يعترض المزن يرشف من قطراته- على أن المعنى الذي رامه الشاعر من المناسبة والعموم حسن، وليس الرشف من الديم بأبعد من قول ذي الرمة:
فيها الضفادع والحيتان تصطخب
ومن قول زهير:
على الجذوع يخفن الغم والغرقا
عند من أخذ عليهما ذلك ولا نقول به.
وواقفون لديه عند حدهم ... من نقطة العلم أو من شكله الحكم
لا يخفى حسن الاستخدام في النقطة والشكلة.
فهو الذي تم معناه وصورته ... ثم اصطفاه حبيبًا بارئ النسم
بنى البوصيري هذا التفضيل على ما تقدم ذكره من قبل من حديث الشفاعة يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وعلى ما وعده الله عز وجل {مقامًا محمودًا} وعلى حديث ابن حنبل رضي الله عنه المروي بسنده إلى عرباض رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
منزه عن شريك في محاسنه ... فجوهر الحسن فيه غير منقسم
إذ هو حسن خلق وخلق.
دع ما ادعته النصارى في نبيهم ... واحكم بما شئت مدحًا فيه واحتكم
لما قال منزه عن شريك خشي أن يظن به الغلو غير الحق وإنما عنى شركة الأشباه والنظائر من البشر مثله، فدفع كل شبهة بقوله «دع ما ادعته النصارى»، ومع أن ههنا خفي جدل وخصومة لمذهب النصارى بقوله دع إلخ، فيه مع ذلك انصراف إلى التغني والإعراض عن قصد المجادلة، أيضًا ذلك يستفاد من قوله: دع إلخ كما يستفاد منه نفى كل شبهة أو إشعار بتأليه وقدسية فوق ما ينبغي أن يكون للبشر.
وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف ... وانسب إلى قدره ما شئت من عظم
فإن فضل رسول الله ليس له ... حد فيعرب عنه ناطق بفم