جحدوا المصطفى وآمن بالطا ... غوت قوم هم عندهم شرفاء
وذلك أن حيي بن أخطب وصحبه فضلوا لقريش شركهم على الإسلام والتوحيد «ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل» - قال تعالى: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً}.
قتلوا الأنبياء واتخذوا العجـ ... ــــل ألا إنهم هم السفهاء
انظر إلى الاقتباس القرآني ويسره.
وسفيه من ساءه المن والسلـ ... ـــــوى وأرضاه الفوم والقثاء
نهج البوصيري نهج الحارث في الخصومة وإحكام الجدل، إلا أنه لم يجعله كسلم يصعد على درجه إلى ما يقول، أو مغترفًا يأخذ منه باحتيال وتوليد. بل على اقتدائه بمنهج الحارث الجدلي خالفه في أمر هام، وهو أنه آثر الهجوم على الدفاع. وقد أخذ الجاحظ على الحارث فرط دفاعه حتى كأن قومه لا ينتصفون من تغلب. وما أرى إلا أن الحارث تعمد هذا ليكون الملك إلى جانب قومه، وهذا أدخل في باب الدهاء، ولئن صح خبر قتل عمرو بن كلثوم عمرو بن هند، فإن الحارث يكون قد انتصف لقومه في مجال السياسة والكيد بالذي قاله. وقد كانت بكر هي التي أجارت آل ملك الحيرة وانتصفت من فارس في يوم ذي قار وإنما آثر البوصيري منهج الهجوم ونفسه لأن ذلك كان أشبه بموقف فروسيته البيانية المجاهدة.
في البردة سلك نهجًا غنائيًا في نقد النصارى وفي تفضيل الإسلام والتنويه بفضل رسول الله صلى الله عليه وسلم والمنهج الذي في الهمزية خطابي محتدم. والغناء بعد لا ينفصم عن الشعر لما فيه من الإيقاع وهذا أمر قد قدمنا ذكره، كما قد سبق الاستشهاد بجانب من أبيات البردة المشار إليها هنا وهي قوله رحمه الله:
محمد سيد الكونين والثقليـ ... ــــن والفريقين من عرب ومن عجم
نبينا الآمر الناهي فلا أحدً ... أبر في قول لا منه ولا نعم
هو الحبيب الذي ترجي شفاعته ... لكل هول من الأهوال مقتحم
دعا إلى الله فالمستمسكون به ... مستمسكون بحبل غير منفصم
كان أهل الاعتقاد في بركة البردة المباركة لا يشكون أنك إذا أنشدت هذا البيت ثلاثًا وأنت تريد عبور النيل، لم يفتك المركب ولو في أيام الفيضان.