وجارى بوصف الذئب امرأ القيس وحميدًا والشنفري والمرقش والفرزدق، وباين هذين بأن هو الآكل من لحم الذئب لا الباذل له قرى. وهل كنى بالذئب عن بعض لئام الناس:
طواه الطوى حتى استمر مريره ... فما فيه إلا العظم والروح والجلد
يقضقض عصلا في أسرتها الردى ... كقضقضة المقرور أرعده البرد
سما لي وبي من شجة الجوح ما به ... ببيداء لم تعرف بها عيشة رغد
عوى ثم أقعى فارتجزت فهجته ... فأقبل مثل البرق يتبعه الرعد
فأوجرته خرقاء تحسب ريشها ... على كوكب ينقض والليل مسود
وكان الحذاق من رماة العرب ربما رموا الليل على حسن ركز الصوت وعلى لمع الأعين ومما روى صاحب الكامل يقوله الخوارج:
لا شيء للقوم سوى السهام ... مشحوذة في غلس الظلام
وهل أراد المعري أن يشير إلى مزعم البحتري في هذه الكلمة الذئبية حيث قال هو في طائيته:
ونبالة من بحترٍ لو تعمدوا ... بليل أناسي النواظر لم يخطوا؟
قال البحتري وقد زعم أنه رمى الذئب فجرحه:
فما ازداد إلا جرأة وصرامة ... وأيقنت أن الأمر منه هو الجد
فأتبعتها أخرى فأضللت نصلها ... بحيث يكون اللب والرعب والحقد
فهذا ينبئ عن آدمي لا ذنب ويكون الرمي والقتل والاشتواء كل ذلك كجازٌ.
فخر وقد أوردته منهل الردى ... على ظمأ لو أنه عذب الورد
ونلت خسيسًا منه ثم تركته ... وأفلت عنه وهو منعفر فرد