وكأنه يحاكي بالخسيس هنا قول المرقش:
نبذت إليه حزةً من شوائنا ... حياء وما فحشي على من أجالس
فهذا مقال الجاهلي. ومقال الإسلامي:
قبت أقد الزاد بيني وبينه ... على ضوء نارٍ مرة ودخان
وهو مرتاب به، فزعٌ منه وقائم سيفه من يده بمكان.
وأما العباسي المتحضر فأكله وزعم أنه إنما نال منه حزة ليس غير ... فتأمل هذا الانحدار من المرقش ودهره إلى البحتري ودهره.
وختم البحتري بشكوى الدهر.
لقد حكمت فينا الليالي بجورها ... وحكم بنات الدهر ليس له قصد
وشكوى الدهر عند البحتري قد أخلص لها قصيدة كاملة لا يخلطها بمدح وهي السينية وهي كثير عن أبي الطيب. وله قطعة في أسد الفراديس تجري مجرى ذئبية البحتري إلا أنها على قصرها أجود، إذ تحدث فيها عن تجربة حقيقية وذلك أنه مر بمكان سمع فيه الزئير، وفزع أن يصيبه من أسده شر، ثم جعل كل ذلك رمزًا وكنايةً عما كان عليه من أمل ووجل وثورة فؤاد. صرح وكنى معًا، وهي الكلمة التي أولها:
أجارك يا أسد الفراديس مكرم ... فيأمن سار أم مهان فمسلم
ورائي وقدامي عداة كثيرة ... أحاذر من لص ومنك ومنهم
ثم يقول:
فهل لك في حلف على ما أرومه ... فإني بأسباب المعيشة أعلم
إذن لأتاك الرزق من كل وجهة ... وأثريت مما تغنمين وأغنم