فأمره ألا ينشده ما بعده واستحسنه وأجازه عليه. وكأنه خشي على هذا المطلع الهجير أن يكون ما بعده دون مستواه. ونحو هذا قد كان كثيرًا عند شعراء ذلك الزمان. منه مثلًا كلمة ابن الأبار التي مطلعها:

أدرك بخيلك خيل الله أندلسًا ... إن السبيل إلى منجاتها درسا

فإن ما بعد هذا البيت من القصيدة على طولها دونه جودة ورنة. وقد فرغ ابن الأبار من كل ما كان يختلج في نفسه أن يقوله في مصراعي هذا البيت وضمنه الشعور القوي الذي كان كأنه يرى به من وراء الغيوب، أن لا سبيل إلى منجاة الأندلس، وأن خيله لن تدركها إلا أن تكون خيل الله التي تدركها وقد قضى الله سبحانه وتعالى قضاءه. فقوله بخيلك خيل الله إنما كشيء تمناه.

كان ابن الرومي على تقدمه على زمان أبي الطيب، وانتفاع أبي الطيب بدراية شعره وروايته في الحقيقة إرهاصًا لما سيئول إليه أمر القصيدة بعد أبي الطيب من ضياع ثواب وطول نفس وقلة بهاء.

وقد كثر مقلدو أبي الطيب في ي حياته وبعد مماته. وصدق إذ قال:

ودع كل صوتٍ غير صوتي فإنني ... أنا الطائر المحكي والآخر الصدى

ومن هؤلاء من حرص على أن يضاهيه أو يزيد عليه كالشريف الرضي وأبي فراس الحمداني وأكثر روميات هذا جارى بهن قصائد بأعيانها من أبي الطيب وأخذ ما شاء من معانيه وألفاظه كمجاراته مثلًا لبائية أبي الطيب:

منى كن لي أن البياض خضاب

وفيها يقول:

إذا نلت منك الود فالمال هين ... وكل الذي فوق التراب تراب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015