إساءة الأدب بالأدب شيء نبز به مذهب أبي الطيب في حسر اللثام عن الشاعرية ومكافحة القول بلا تردد ولا تهيب ولا وجل:
يا أعدل الناس إلا في معاملتي ... فيك الخصام وأنت الخصم والحكم
أعيذها نظرات منك صادقة ... أن تحسب الشحم فمن شحمه ورم
قالوا عني بذلك أبا فراس. والمعنى أوسع من أن يخص به أبو فراس وحده. فما أكثر من كانوا في مجلس سيف الدولة، وبين من مارسهم أبو الطيب آنئذ ومن قبل، ورمًا يلوح كأنه شحم. وجدير بمن يكون ورمًا في الحقيقة وهو يلوح مثل الشحم أن يغيظه مقال أبي الطيب هذا وأن يزعم أنه قد أساء الأدب بنسبة الغباوة والطيش في الحكم إلى الأمير الذي هو سيد الناس.
بعد أبي الطيب خبت وقدة سراج المدح الوهاجة. واستمرت من بعد ومضات يختلفن بين خابٍ وباهت وثويقب. وقل من ملوك الطوائف من ضاهي سيف الدولة في الفضل والأريحية، أو ضاهي معاصريه كأبي المسك وعضد الدولة مثلًا في مباراة فضله ونداه. هذا بالمشرق. وقد استمر لقصيدة المدح شأن عند ملوك الطوائف بالمغرب. وعراها ما عرا المشرقية من فرط التطويل والجد في إظهار قوة الملك. وقد صنع ابن خميس التلمساني، من رجال القرنين السابع وأوائل الثامن، طويلة على الخاء قارب بها تسعين بيتًا أو زاد وقصد بها العزفيين بسبته فما حظي بطائل. وكان ابن زيدون آخر شعراء المدح الكبار ذوي الحظوة بعدوة الأندلس. وكان المعتمد بن عباد آخر أجواد ملوك الطوائف، وكان امرأً مترفًا مثل ابن المعتز وأبي فراس إلا أنه كان دونهما ملكة شعر وفوقهما مرارة شكيمة مع قساوة مفرطة وشراسة في الانتقام. وكثير من مؤرخي الأدب يرق له إذ سجن بأغمات وعمل ابنه مع الصاغة ولا يرقون للمسكين ابن عمار إذ ضرب على أم رأسه