صنع شعراء الأندلس عند ملوك الطوائف وأهل السيادة والغنى بالأندلس والمغرب مثل هذا الصنع.
كان أبو الطيب المتنبي وممدوحوه بعد أن اشتهر وفلج أمره، وخاصة سيف الدولة، كاشتعالة السراج قبل انطفائه بالنسبة إلى قصيدة المدح. كانت اشتغال قوية أضاءت الظلمات حولها بنور وهاج.
أخذ أبون الطيب من ابن الرومي حب المعاني والغوص عليها وأقدم كمثله على أن يستعمل لغة أهل الكلام والفلسفة، ولكنه لم يجعله قدور في استعمال أساليب الكتاب وتشقيقهم، بل جعل قدوته حرص أبي تمام على الجزالة وخشونة البداوة الفكرية، وشفع أبو الطيب ذلك بأصالة بداوة روحية نابعة من ثورة فؤاد طموح. وتجربة تمردٍ عاتٍ ومخالطة للصحراء وأهلها منذ نعومة الصبا.
وزعم الثعالبي أن هوس الملك وحب السلطان ظل ملازم أبي الطيب حتى تضاعفت عقود عمره وما عدا في استشهاده على هذا الزعم الذي زعمه أشعار المتنبي التي قالها في صباه وأول شبابه نحو:
سأطلب حقي بالقنا ومشايخ ... كأنهم من طول ما التثموا مرد
ونحو:
لقد تصبرت حتى لات مصطبر ... فالآن أقحم حتى لات مقتحم
لأتركن وجوه الخيل ساهمةً ... والحرب أقوم من ساقٍ على قدم
وقول أبي الطيب لكافور:
إذا لم تنط بي ضيعة أو ولاية ... فجودك يكسوني وشغلك يسلب
لا يصح الاستشهاد به في هذا الباب ولا أحسب أبا منصور استشهد به، إنما استشهد به بعض نقاد زماننا هذا. وقد ترى أن أبا الطيب ساوى بين الصنيعة