التحصيل، عظيم ملكة البيان. غير أن الدولة في زمانه قد اضمحل أمرها. فأصاب من هذا الاضمحلال كلا صنفي الأدب من كتابة وشعر كساد عظيم. غير أن حظ الشعر من هذا الكساد كان أكبر. فكان ذلك يضطر الشعراء إلى أن يجتهدوا في إظهار براعتهم وحذقهم بأشد ما يقدرون عليه من امتراء الطبع وتكلف الصنعة، حتى يستيقن الممدوح أن السلعة جيدة وأنه لن يغبن إن شرى، وإنما كانت قصيدة المدح بالنسبة إلى أمثال ابن ثوابة وأبي الصقر ضربًا من الزينة التي يتباهون بها ... لم تكن أمرًا له من سند السياسة والتحزب والعصبية ما لشعر جرير والفرزدق مثلًا بالنسبة لبني أمية وما لشعر ابن قيس بالنسبة لآل الزبير وما لشعر الكميت بالنسبة لآل البيت، ولا أمرًا من دعاية الملك كشعر مروان بن أبي حفصة وأبي العتاهية بالنسبة إلى الأمر الأول من خلافة بني العباس، ولا من تمام أبهة الملك وسعادته وترفه والدعاية له كشعر أبي نواس ومسلم في الخلفاء وأمرائهم وأبي تمام والبحتري في المعتصم والواثق والمتوكل وكبار رجالات الدولة .. كانت بقية عرف، كما الخلافة كانت بقية خلافة وأمراؤها ووزراؤها كانوا بقية من أمر قد كان وهو الآن آخذ بسبيل الاضمحلال ثم الزوال.

وكان الشاعر يضطر مع اجتهاد في إظهار البراعة إلى أن يطيل لأن المستقى بعيد فلا بد من طول الرشاد للورود، ولأن الدر بكيء فلا بد من مسح بعد مسح ومرى بعد مرى وإبساس بعد إبساس.

وكثيرًا ما احتاج الشاعر مع ذلك إلى أن يشفع شعره بتصريح من الاستجداء الصلت كالذي صنع ابن نباته مع ابن العميد إن صحت رواية التوحيدي وربما آل أمر الشاعر بعد الإخفاق إلى هجاء من كان قصده بالمدح وهذا عند ابن الرومي كثير.

وعل هذا الذي ذكرناه أن يفسر لنا لماذا أطال مهيار الدليمي مدائحه ولماذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015