ثم أخذ في أبواب من العظة والاعتذار وتشقيق الحجج لينال بر ممدوحه من دون تكليف نفسه جهد السفر إليه:
أرى المرء مذ يلقى التراب بوجهه ... إلى أن يوارى فيه رهن النوائب
فدلنا على أن النساء كن يلدن وليس بينهن وبين تراب الأرض سرير أو نحوه. ومن أجود الولادة ما كان عليه العرف عندنا من أن تمسك المرأة بما تعتمد عليه باركة وتحتها حفير لدم النفاس، فأحسب الذي وصفه ابن الرومي شيئًا من هذا النوع.
ولو لم يصب إلا بشرخ شبابه ... لكان قد استوفى جميع المصائب
ومن صدق الأخيار داووا سقامه ... بصحة آراء ويمن نقائب
يعني أن صدق عن نفسه وممدوحه في الأخيار، ومن مثله يستفاد الرأي الحسن والنصيحة النافعة بعد هذا الذي قد سمعه من الصدق. واضطر إلى جمع النقائب للقافية، وكأنه حسب أن ذلك يناسب الجمع قبله وقد يعلم أن العرب تقول هو ميمون النقيبة وهم ميامين النقيبة ثم زعم ابن الرومي أنه تحدث صادقًا إلى ممدوحه فهذا منه كالاستشارة ومن كان لك حزبًا صدقته إذ تستشيره أعانه ذلك على تجويد الرأي لك وأخذ في التفصيل هذا المعنى على الطريقة الجدلية.
وما زال صدق المستشير معاونا ... على الرأي لب المستشار المحازب
أي الذي من حزب المستشير وقد استكره هذه الكلمة استكراهًا.
وأبعد أدواء الرجال ذوي الضنى ... من البرء طب المستطب المكاذب
ثم أخذ يستعطف ممدوحه ولم يفارق طريقة التعليل والقياس والجدل.
فلا تنصبن الحرب لي بملامتي ... وأنت سلاحي في الحروب النوائب