وهنا مبالغة أراد بها الفكاهة إذ لا يعقل أنه كان يكره الماء وينفر منه نفور المسعور، وهو بعد القائل في بائية له من جيد شعره:

ومزاج الشراب إن حاولوا المز ... ج رضاب يا طيب ذاك الرضاب

من جوار كأنهن جوار ... يتسلسلن من مياه عذاب

فجعل مزاج الشراب ماء وصفه بما وصفه كما ترى.

وقال في أبياته الحكيمة المنزع التي أولها:

غدوك من صديقك مستفاد ... فلا تستكثرن من الصحاب

فإن الماء أكثر ما تراه ... يحول من الطعام أو الشراب

قال:

فدع عنك الكثير فكم كثير ... يعاف وكم قليل مستطاب

وما اللجج الملاح بمرويات ... وتلقى الري في النطف العذاب

وما ذكرنا هذين الشاهدين على سبيل التعقب لابن الرومي، ولكن لنسبق بالرد على من يستنتج من قول ابن الرومي: «وأيسر إشفاقي إلخ» أكثر مما يجيزه ظاهر معناه الذي للفكاهة. ثم يقول الشاعر:

وخشى الردى منه على كل شارب ... فكيف بأمنيه على كل راكب

أظن إذا هزته ريح ولألأت ... له الشمس أمواجًا طوال الغوارب

كأني أرى فيهن فرسان بهمة ... يليحون نحوي بالسيوف القواضب

هذه الصورة منتزعة من تشبيه أمواج البحر بالخيل البلق وهو استعمال لغوي في العربية وغير العربية ولعله منها أخذ لقدم علاقة العرب بالخيل.

فإن قلت لي قد يركب اليم طاميًّا ... ودجلة عند اليم بعض المذانب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015