بشار والنابغة- بشار في الميمية التي قيل هجا بها أبا جعفر ثم حولها في أبا مسلم، والنابغة في «كليني لهم».
فما كل من حط الرحال بمخفق ... ولا كل من شد الرحال بكاسب
ومن قبل ما قال امرؤ القيس:
وقد طوفت في الآفاق حتى ... رضيت من الغنيمة بالإياب
قد ترى أن ابن الرومي استهل بجدل وقياس فلسفي:
وفي الشعر كيسٌ والنفوس نفائسٌ ... وليس بكيس بيعها بالرغائب
وما زال مأمول البقاء مفضلًا ... على الملك والأرباح دون الحرائب
هنا كما ترى حجة بعضها من المنطق وبعضها من مأثور الأخبار. الشعر فيه الحكمة وهو نفس الشاعر ولذلك فهو نفيس بالنسبة إليه فلا ينبغي أن يباع بالمال. ثم هو مأمول البقاء على وجه الدهر وأفضل من الملك مفضل على الأرباح دون كل حريبة قد يحربها المرء- أي هو مال مفضل على كل مال وعلى كل ربح يخشى المرء أن يسلبه والحريبة هي المال وحربه ماله أي سلبه إياه وأخذ ابن الرومي هذا من مقال عمر رضي الله عنه لأبناء هرم بني سنان أن ما أعطاهم زهير باق وما أعطوه إياه قد فنى -ومراد ابن الرومي ههنا أن يقول لممدوحه أن شعره أفضل مما سيناله منه هو جائزة إن أجازه.
حضضت على حطبي لناري فلا تدع ... لك الخير تحذيري شرور المحاطب
جعل الشعر نارًا وطلب المكسب به احتطابًا وأخذه هذا المعنى، على قدمه، من أبي تمام، وكان أبو تمام مما يذكر النار والزند، يصف بذلك شعره أحيانًا كقوله:
يا أبا عبد الله أوريت زندًا ... في يدي كان دائم الأصلاد