إلخ» و «مثولًا ضاربين الصدور بالأذقان»، وحين تجاوز صفته للقيان أنهن في المقاصير يرجعن بين حو ولعس إلى «ملقمات وناهدات» (ولا يضير المغنية إن كان صوتها بارعًا ألا تكون ناهدة الثدي رمانيته أو حافلته ضأنيته) وهلم جرا مما خرج به عن وصف منظر عام إلى تدقيق بين ثرثرة الفلسفة وشهوانية الغزل. ومع الذي وصف من الوفود بتفصيله ومن القيان بتدقيقه وتفريعه، غفل عن أمرين جاء بهما البحتري هما من حاق الوصف والتصوير في هذا الباب وذلك قوله: «وكأني أرى المراتب والقوم» ... فدل على أمر هام وهو ترتيب الناس حسب مراتبهم ومن يكون من قوم الدولة يرتبهم هذه المراتب وقوله: «يرجعن بين حو ولعس» والناظر إلى قيان يغنين من على بعض لا يفوته مرأى الأفواه وهي ترجع وكونها حوًّا ولعسًا، جلي أن هذا جاء به الشاعر على وجه الحدس، ولكنه تمثل منظر الترجيع والأفواه الظريفات التي ترجع.
غلا العقاد رحمه الله في أآمر ابن الرومي عامة وفي أمر هذه المرجانية على وجه الخصوص، وما أرى إلا أنها من نظم شباب ابن الرومي، وليس فيها من شيء يستجاد غير أبيات القيان، وسائر القصيدة بعد ظاهر فيه تعب العمل، شديد الظهور.
بين ابن الرومي وابن المعتز وجها تشابه، أولًا كلاهما يحاكي أبا تمام وكانا كلاهما معجب به ويقدمه، وثانيًّا كلاهما إنما حاكيا أبا تمام وأعجبا به من أجل البديع، وباب التشبيه خاصة، واختلفت طريقتاهما فيه، فاهتم ابن المعتز بفسيفساء زخرفة لفظية معنوية من معدن ماعون بيته وحال ترفه واهتم ابن الرومي بفسيفساء زخرفة معنوية فلسفية كلامية أشبه بمذهب الكتاب، وقد كان هو من الكتاب، وإلى هذا من مذهبه قد فطن الدكتور طه حسين في كتابه من حديث الشعر والنثر.