زعم أنها مرت أعوادها- قال:
مرت أعوادها فشفت وشاقت ... فلو يستطيع حاسدها فداها
والمرى يكون للضرع وقد تعلم قول الحطيئة:
لقد مريتكم لو أن درتكم ... يومًا يجيء بها مسحى وابساسي
وأبو تمام قد جعل العود هو الضرع والغانية المغنية تمريه، فكس ابن الرومي الأمر وجعل للغانية المغنية ضرعًا حافلًا- وما أرى إلا أنه بهذا قد أفسد الصورة الجميلة التي جاء بها بدءًا حيث قال كأنها أمهات، لأن هذا فيه تصوير إقبال القيان على عزفهن بروح ذي إخلاص وحب، شبيه بحنان الأمهات على أطفالهن. وهذا معنى تام لا يحتاج إلى زيادة وتفصيل بذكر أطفال وحمل وإلقام وإرضاع وثدي نواهد كالرمان- إسراف كما ترى.
هذا، ونونية المهرجان، هذه التي أطنب العقاد في مدحها إنما نظمها ابن الرومي يحاكي بها السينية، إذ السينية نظمها البحتري بعيد مقتل المتوكل وابن الرومي شابٌّ لم يجز بعد طور المحاكاة والتقليد إلى النضج الذي يولد ولا يقلد. ولوشك ترتيب الموضوعات والأوصاف يباري ترتيبهن في السينية وحسبك شاهدًا أن البحتري يقول في أول نعته في الإيوان: «جعلت فيه مأتمًا بعد عرس» ثم يحاول أن يعطينا بعض صور هذا العرس من صورة أنطاكية واختلاف ألوان الأزياء:
في اخضرار من اللباس على أصفر يختال في صبيغة ورس
ثم يذكر العراك، ثم ينصرف إلى شربة خلس ثم يعود إلى صفة الإيوان وقد خالطه حلم الذكرى لمجد فات، ويصف المراتب والوفود والقيان ويشير إلى حال السرور بقوله:
عمرت للسرور دهرًا فصارت ... للتعزي رباعهم والتأسي