منه أو على غير قصد؛ لأنه مصور بالفطرة المهيأة لهذه الصناعة، فلا ينظر ولا يلتفت إلا تنبهت فيه الملكة الحاضرة أبدًا، وأخذت في العمل موفقة مجيدة سواء ظهر عليها أو سها عنها كما قد يسهو المصور وهو عامل في بعض الأحايين» ص 300 نفسه «واستشهد العقاد بأبيات سنعرض لبعضها إن شاء الله ومكان الغلو نفيه أن يكون لم يعرف شاعرًا واحدًا له من الملكة المطبوعة إلى آخر ما قال فالمعلقات وقد كان يعرفها أحفل بالصور المطبوعة والمصنوعة ذات الحيوية الباهرة من جميع ما صوره ابن الرومي. وقد قتل النقاد القدماء ابن الرومي درسًا وبحثًا فكان غاية ذلك أن اتفقوا على أنه هجاء خبيث وأنه كان صاحب غوص على المعاني وقدمه في هذا الباب ابن حزم صاحب طوق الحمامة والملل، وجنح إلى تقديمه فيه ابن رشيق ثم تردد وعندنا أن تردده هذا هو المنبئ عن حقيقة رأيه، ولم نجد أحدًا من النقاد القدماء قدمه على البحتري في الوصف والتصوير. وقد أضرب صاحب المثل السائر عنه كما أضرب عن كثير غيره لما حصر حسنات الشعر كلها في ولاته وعزاه ومناته وهم حبيب والوليد وأحمد، وما كان مع هذا ممن يجهل قدر ابن الرومي أو يقصد إلى أن ينقص من قدره، ولكنه قد وجد إجماع النقاد على ذلك قد انعقد.
مما تمثل به العقاد لتصوير ابن الرومي وصفة الرقاقة:
ما بين رؤيتها في كفه كرة ... وبين رؤيتها قوراء كالقمر
إلا بمقدار ما تنداح دائرة ... في صفحة الماء يرمي فيه بالحجر
التشبيه دقيق ذكي وقد نبهنا على أنه من قول زهير:
يحيل في جدول تحبو ضفادعه ... حبو الجواري ترى في مائه نطقا
هنا صورة القابل الذي يستقبل دلاء السانية كلما قدرت يداه تناولها ودفقها وكلما دفق اندفع الماء فاستدار طرائق وانتسج. رأى ابن الرومي خبازًا يتناول عجينة ويلقيها فتندفق طرائق طرائق متتابعات فنقل وصف زهير كله إلى ههنا.