أن يكون أخذ من ابن الرومي كما جعله حارسًا لابن الرومي أن يكون أخذ عن ابن المعتز. ثم كما ترى، قد زعم أن اختلاف مذهبي ابن الرومي وابن المعتز مما يعدو عن الأخذ وأن ابن الرومي لو أتيح له الأخذ عن ابن المعتز -جدلًا- لكان ذلك قد أفسد عليه سليقته. ومع هذا لم يجعل اختلاف المذهبين في الشعر مانعًا للبحتري أن يأخذ من ابن الرومي، بل زعم أنه قد أخذ ولم ينفعه ذلك بزيادة في اتقان ما نبغ فيه، كأنه يتهمه في هذا الوجه بقصور ما في ملكته أو كما قال: (ص 247 نفسه) «عرف ابن الرومي البحتري، وابن الرومي شاعر مشهور بالافتنان في المعاني والقدرة على الهجاء. وكان البحتري يحب مجاراته في بعض قصائده فقال له في أول لقاء بينهما أنه عزم على أن يعمل قصيدة على وزن قصيدته الطائية في الهجاء فنهاه ابن الرومي عن ذاك لأنه ليس من عمله فإذا كان بينهما اقتباس أو معارضة فالبحتري هو المقتبس وهو الراغب في المعارضة».
قلت هذا موضع الشاهد على ما قدمناه. ثم يقول العقاد رحمه الله «على أننا لا نخاله» -يعني البحتري- «استعار من ابن الرومي شيئًا يزيد في مذهبه الذي نبغ فيه لأنهما نمطان متباينان، ولكل منهما اعتداد بنفسه يكفيه ويغنيه». أ. هـ.
غلا العقاد رحمه الله في أمر ابن الرومي. وما أحسبه، والله أعلم بسرائر النفوس وهو عليم بذات الصدور، خلا من أن يكون تقمص بعض أمر ابن الرومي لنفسه، وتبحتر له بذلك بعض أمر خصومه هو ولعلما تصور لونًا في البحتري من شوقي، وهذا قد جارى السينية كما تقدم، فخالط بهذا نقد العقاد وموازنته بين لبن الرومي والبحتري جانب عاطفي، وآفة الرأي الهوى.
من غلو العقاد رحمه الله في ابن الرومي قوله: «فلست أعرف فيمن قرأت لهم من مشارقة ومغاربة أو يونان أقدمين وأوربيين محدثين شاعرًا واحدًا له من الملكة المطبوعة في التصوير ما كان لابن الرومي في كل شعر قاله مشبهًا أو حاكيًّا على قصد