أما صاحب المعاني والغوص فهو أبو الحسن علي بن العباس بن جريج الرومي (221 - 282 هـ). ابن الرومي أسن من ابن المعتز بستة وعشرين عامًا. وقد جعل العقاد هذا سببًا كافيًّا يستبعد به أن يكون ابن الرومي أخذ شيئًا عن ابن المعتز، أو كما قال: «وقد ولد ابن المعتز في سنة سبع وأربعين ومائتين فلما أيفع وبلغ السن التي يقول فيها الشعر كان ابن الرومي قد جاوز الأربعين أو ضرب في حدود الخمسين، ولما نبغ واشتهر له كلام يروى في مجالس الأدباء كان ابن الرومي قد أوفى على الستين وفرغ من التعلم والاقتباس».

فهذا موضع استشهادنا. ثم يقول العقاد رحمه الله وهو من استنتاجاته التي يجزم بها ويوردها مورد الحتميات: «ولو انعكس الأمر وكان ابن المعتز هو السابق في الميلاد لما أخذ منه ابن الرومي شيئًا ولكان أفسد سليقته بالأخذ عنه؛ لأن ابن المعتز إنما امتاز بين شعراء بغداد في عصره بمزاياه الثلاث وهي البديع والتوشيح والتشبيه بالتحف والنفائس، وابن الرومي لم يرزق نصيبًا معدودًا من هذه المزايا ولم يكن قد من أصحاب البديع وأصحاب التوشيح أو أصحاب التشبيهات التي تدور على الزخرف وتستفيد نفاستها من نفاسة المشبهات» أ. هـ. «ابن الرومي حياته من شعره، بقلم عباس محمود العقاد، مصر، الطبعة الرابعة 1957 م ص 248 - 249» (?).

والبحتري أسن من ابن الرومي بقريب مما ابن الرومي أسن به من ابن المعتز. البحتري مولده كان سنة 205 ووفاته 284 بلغ الثمانين أو قاربها. وينبغي أن يكون قد اشتهر وطبق ذكره الآفاق لما شب ابن الرومي، إذ ممدوحه ورب نعمته المتوكل توفي قتيلًا سنة 247 هـ، وهو ابن اثنتين وأربعين وابن الرومي ابين ست وعشرين ولم يزل في أوج الشباب. والعجب للعقاد لم يجعل هذا مما يحرس البحتري

طور بواسطة نورين ميديا © 2015