قوله دير عبدون، أقول عسى أن يكون ذكر هذا الاسم وترنم به مما حدا ابن عبدون الوزير أن يركب هذا البحر والروي في مرثيته لبني الأفطس. وصفة الرهبان كما ترى حية جيدة منبئة بمشاركة من تجربة رؤيتهم وسماع نشيد صلواتهم. وقوله كم فيهم ظاهره وصف عام ولكن البيت الذي بعده فيه تخصيص، فإن يكن عني غلامًا فقد صدق جان جاك روسو في الذي وصف من عمل أهل القريات في أديرة اعترافاته (عند براتراند رسل أن جان جاك ما بنى اعترافاته إلا على أساس من قلة احترام للصدق وفي هذا من التحامل ما لا يخفى). وآخر كلام ابن المعتز ينبئ عن صفة أنثى وهو قوله وأسحب أذيالًا على الأثر. وقوله لاحظته بالهوى حتى استقاد له من معنى أبي تمام «له رسفان في قيود المواعد» أعني قوله «واأسلفني الميعاد» وأبى الأخذ من أبي تمام إلا أن يبدي صفحته في كلمة استقاد المستفادة من الرسفان كما ترى. وقوله في قميص الليل من قول حبيب: «حتى كأن جلابيب الدجى» ولا يعني غلالة النوم -هذا واضح). وقوله وقمت أفرش معنى ظريف كان متداولًا وذكره صاحب الأغاني عن أبي السائب المخزومي فإن صحت روايته فهذا أصل ما قاله ابن المعتز. يقول يسير المحبوب بقدميه على خدي المفروش لهما دربًا. وأنا أمسح بذيل ثيابه آثار قدميه على خدي لكيلا يراها الناي. فتأمل هذه النعومة وهذا الترف. وقوله «ولاح ضوء هلال» ينظر إلى قول عمر «وغاب قمير» والموصوف ههنا هلال ليلة محاق ولكن قمر عمر من ليالي أوائل الشهر. وإنما أراد ابن المعتز معنى اقتراب الصبح لأضواء الهلال الذي قد اضمحل. وتأمل ضادي الصدر وحائية وقافات العجز ودالاته وكأن دال المصراع الأول تمهد لأخواتها في الثاني وكأن الظاء التي في القافية صدى من ضادي صدر البيت. والبيت الأخير حلو فيه ملاحة وأنفاس عفاف وأحسب هذا المعنى مما جعل بعض المتصوفة يستحسنونه، والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015