شتان ما هدوء السائح الشرقي ببلاد الإفرنج في القرن العشرين من حال شاعر كان جليس الخليفة ثم صار مجفوًا- أو كما قال في كلمته التي خاطب بها أبا العباس محمد بن يزيد المبرد:

مضى جعفر والفتح بين مرمل ... وبين صبيغ بالدماء مضرج

أأطلب أنصارًا على الدهر بعدما ... ثوى منهما في الترب أوسي وخزرجي

أولئك ساداتي الذين برأيهم ... حلبت أفاويق الربيع المثجج

مضوا أممًا قصدًا وخلفت بعدهم ... أخاطب بالتأمير والي منبج

بعد أن كان يخاطب بالكاف الفتح ونظراءه فتأمل.

وقد حذا البحتري في بحر السينية وروبها على مثال من كلمة أبي العباس الأعمى وما أصبنا منها إلا أبياتًا في أغاني أبي الفرج:

ليت شعري أفاح رائحة المسـ ... ـك وما إن أخال بالخيف أنسي

حين غابت بنو أمية عنه ... والبهاليل من بني عبد شمس

خطباء على المنابر فرسا ... ن عليها وقالة غير خرس

لا يعابون صامتين وإن قا ... لوا أصابوا ولم يقولوا بلبس

بحلوم إذا الحلوم تقضت ... ووجوه مثل الدنانير ملس

والكلمة في مدح بني أمية لإرثائهم على أن أبا العباس هذا كان في أخريات دولتهم وفي رنة أبياته كنبأة كشف غيبي عن نهايتهم- وقول البحتري:

وهو ينبيك عن عجائب قوم ... لا يشاب البيان فيهم بلبس

فيه نظر إلى «ولم يقولوا بلبس» وكالإشارة إليه إذ هذا الشعر قد كان معروفًا عند طبقة البحتري ونظرائه من أهل العلم والأدب وبين الأخذ والسرق والإشارة فرق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015