ومقال ابن خفاجة أقوى من مقال شوقي. وأحسبه أيضًا أخذ من قول أبي العلاء:
فيا وطني إن فاتني بك سابق ... من الدهر فلينعم لساكنك البال
وإن أستطع في الحشر آتك زائرًا ... وهيهات لي يوم القيامة أشغال
هذه الالتفاتة إلى أشغال يوم القيامة يروح من فكاهة وذكاء وفقه ضرير تحمل من تعلق أبي العلاء بحب بلدته أعماقًا بعيدة وفي خبر أشغال القيامة أنه {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} فكان هولًا على أبي العلاء أن يتخيل نفسه يفر من أمه وكانت أحب الناس إليه وما كان حنينه إلى وطنه إلا طرفًا من حبه لها- فتأمل عمق قوله: «وهيهات لي يوم القيامة أشغال» في نطاق هذا المعنى وما عسى أن يماثله.
قال شوقي:
وعظ البحتري إيوان كسرى ... وشفتني القصور من عبد شمس
ومع الاشتفاء الشعور بالراحة والهدوء، بدأ شوقي بهذا الهدوء وبدأ البحتري بهموم وانفعال. وشتان بين المذهبين.
وبعيد ما بين وارد رفه ... علل شربه ووارد خمس
خمس هنا بكسر الخاء قولًا واحدًا والأخرى بالفتح كما تقدم.
كان شوقي إذا أراد نظم قصيدة جمع قوافيها حتى يصيب من ذلك قدرًا يرضاه ثم ينظم ولا ملامة على شوقي أن تكون هذه طريقته، يستعين بها على الترنم، وهذا الخبر في جملته أفدناه من مصدر ثقة.
على أنه قد يقع في مثل هذه الطريقة شيء من تكلف الصنعة ومزلاتها.
وأوشك مارون عبود أن يتهم كل الشعراء بطريقة قريبة من مذهب شوقي، ولعله