وجعل شوقي الحنين في أولها بمنزلة الهموم التي ذكرها البحتري. وقد نبأنا صادقًا أن أول بيت همس به وتغنى وترنم به منها:

وعظ البحتري إيوان كسرى وشفتني القصور من عبد شمس

وإنما وعظ الإيوان أبا عبادة بعد ما بكى- بكاء العشاق على الربوع، فظهر نفسه بالدموع من حرارة همه وشكواه، كما قال غيلان:

خليلي عوجا من صدور الرواحل ... بجمهور حزوي فابكيا في المنازل

لعل انهمال الدمع يعقب راحة ... من الوجد أو يشفي نجى البلابل

وأحدث له تذكر ما كان من أيام المتوكل «كالكاثا رسيس» المزعوم عن أرسطوطاليس أما شوقي فقد بدأ مشتفيًّا -شفته القصور من عبد شمس ولم يذكر أنها وعظته ولا تقدم هم أحسه. وأقصى ما يبلغه الحدس في أمر هذا الاشتفاء والشفاء أنه سلا وذهل عن مصر- يدلك على ذلك قوله:

وسلا مصر هل سلا القلب عنها ... أو أسا جرحه الزمان المؤسى

ولم يسألان مصر، إنما ينبغي أن يسألاه هو- وما استفهم منكرًا ولكن شاكا بدليل سياق قوله، وبدليل بيته السائر:

وطني لو شغلت بالخلد عنه ... نازعتني إليه في الخلد نفسي

فزعم أن الخلد -على الفرض الذي فرضه- شغله عنه. والأندلس مما يشار إليها بالفردوس المفقود وبالخلد وقال ابن خفاجة:

لله دركم يأهل أندلس ... ماء ونبت وأشجار وأنهار

ما جنة الخلد إلا في دياركم ... ولو تخيرت هذي كنت أختار

فقد سماها جنة الخلد كما ترى. وكان شوقي يعرف هذا من قوله، ومنه أخذ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015