ذلك لكسرى بإيوانه، حتى زال عن الأرض إلى ديوانه وسينيته المشهورة في وصفه، ليست دونه وهو تحت كسرى في رصه ورصفه، وهي تريك حسن قيام الشعر على الآثار، وكيف تتجدد الديار فبيوته بعد الاندثار. قال صاحب الفتح القسي في الفتح القدسي بعد كلام: «فانظروا إلى إيوان كسرى وسينية البحتري، تجدوا الإيوان قد خرت شغفاته وعريت شرفاته وتجدوا سينية البحتري قد بقي بها كسرى في ديوانه، أضعاف ما بقي شخصه في إيوانه» وهذه السينية هي التي يقول في مطلعها:

صنت نفسي عما يدنس نفسي ... وترفعت عن ندى كل جبس

والتي اتفقوا على أن البديع الفرد من أبياتها قوله:

والمنايا مواثلٌ وأنوشر ... وأن يزجي الجيوش تحت الدرفس

فكنت كلما وقفتن بحجر أو طفت بأثر تمثلت بأبياتها واسترحت من مواثل العبر إلى آياتها وأنشدت فيما بني وبين نفسي:

وعظ البحتري إيوان كسرى ... وشفتني القصور من عبد شمس

ثم جعلت أروض القول على هذا الروي وأعالجه على هذا الوزن حتى نظمت هذه القافية المهلهلة، وأتممت هذه الكلمة الربضة. وأنا أعرضها على الفراء، راجيًّا أن سيلحظونها بعين الرضاء، ويسحبون على عيوبها ذيل الأغضاء، وهذه هي:

اختلاف الليل والنهار ينسي ... اذكرا لي الصبا وأيام أنسي

وصفا لي ملاوة من شباب ... صورت من تصورات ومس

عصفت كالصبا اللعوب ومرت ... سنة حلوة ولذة خلس

وسلا مصر هل سلا القلب عنها ... أو أسا جرحة الزمان المؤسي

كلما مرت الليالي عليه ... رق والعهد في الليالي تقسي

مستطارٌ إذا البواخر رنت ... أول الليل أو عوت بعد جرس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015