بالذهاب إلى نوع من البرية. بعيدًا عن الألي جفوه -وإذا به يرى الجعفري وأنسه متمثلًا في الإيوان الذي قاومت آثاره مر الزمان. فشرب وبكى وتسلى وانثال عليه الشعر.

كان شوقي في المنفى يحن إلى مصر وألمت به نكبة وبعرض مصر نكبة -ولكن لم يكن هول ذلك ولا فجعه ولا فظاعته كما كان من مقتل المتوكل- ولقد بقي شوقي زمانًا بمصر بعد خلع عباس وقال السينية بعد أن عاد إلى الأندلس زائرًا.

جارى شوقي البحتري، وقد قص علينا هو نفسه قصة ذلك حيث قال:

«لما وضعت الحرب الشؤمى أوزارها وفضحها الله بين خلقه وهتك أزارها، ورم لهم ربوع السلم وجدد مزارها، أصبحت وإذا العوادي مقصرة، والدواعي غير مقصرة، وإذ الشوق إلى الأندلس أغلب، والنفس بحق زيارته أطلب، فقصدته من برشلونة وبينهما مسيرة يومين بالقطار المجد، والبخار المشتد أو بالسفن الكبرى الخارجة إلى المحيط، الطاوية القديم نحو الجديد من هذا البسط. فبلغت النفس بمرآه الأرب. واكتحلت العين في ثراه بآثار العرب، وإنها لشتى المواقع، متفرقة المطالع، في ذلك الفلك الجامع، يسري زائرها من حرم إلى حرم كمن يمسي بالكرنك ويصبح بالهرم، فلا تقارب غير العتق والكرم: طليطلة تطل على جسرها البالي، وأشبيلية تشبل على قصرها الخالي، وقرطبة منتبذة ناحية بالبيعة الغراء، وغرناطة بعيدة مزار الحمراء، وكان البحتري رحمه الله رفيقي فق هذا الترحال، وسميري في الرحال، والأحوال تصلح على الرجال، كل رجال لحال، فإنه أبلغ من حلى الأثر، وحيا الحجر، ونشر الخبر، وحشر العبر، ومن قام في مأتم على الدول الكبر، والملوك البهاليل الغرر، عطف على الجعفري حين تحمل عنه الملا، وعطل من الحلى، ووكل بعد المتوكل للبلي. فرفع قواعده في السير، وبنى ركنه في الخبر، وجمع معالمه في الفكر، حتى عاد كقصور الخلد امتلأت منها البصيرة وإن خلا البصر، وتكفل بعد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015