وهذا معنى إنساني عظيم ومقطع لهذه الكلمة الرائعة جيد. ومناسب كل المناسبة لما كان فيه من صفة الإيوان وعظمة بناته، ولما تضمنه ذلك من رمز كني به عن الجعفري والمتوكل والفتح بن خاقان.

وقولنا من بل في باب القوافي عن هذه السينية أن بعض الناس يوازنون بينها وبين سينية شوقي وذلك عندي من العناء والتكلف لا تزال نقول به. وذلك أن السينية البحترية لم يكن دافعها مجرد طلب الافتنان بانتزاع صورة شعرية من الإمام بالإيوان وتأمل بنائه ونقشه واستثارة ذكريات حول ذلك. وإنما كان دافعها ما نبأنا عنه البحتري نفسه في أولها حيث قال:

واشترائي العراق خطة غبن ... بعد بيعي الشام بيعة وكس

لا ترزني مزاولًا لاختباري ... عند هذي البلوى فتنكر مسي

البلوى مقتل المتوكل، وقوله لا ترزني بتقديم الراء المهملة على الزاي المعجمة أي لا تختبرني وقوله فتنكر مسي إشارة إلى خبر السامري: وإن لك في الحياة أن تقول لا مساس.

ولقد رابني نبو ابن عمي ... بعد لين من جانبيه وأنس

وأشبه شيء أن يكون عني بابن عمي الخليفة ودار الخلافة وسادة العرب بها.

وإذا ما جفيت كنت حريًّا ... أن أرى غير مصبح حيث أمسي

حضرت رحلي الهموم فوجهت ... إلى أبيض المدائن عنسي

أتسلى عن الحظوظ وآسى ... لمحل من آل ساسان درس

وكما أرياط موازن لأشناس فساسان موازن لخاقان كما ترى.

البحتري ينبئنا أنه ذهب إلى الإيوان فرارًا إليه بهمومه. وذهب ثم ليتسلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015