هذا استعارة من أسلوب النسيب، أن المحبوبة والخليط والظعن، كل أولئك يبين ويعمل الشاعر المطي ليلحق بهم. يقول البحتري كأنما رحلوا مسرعين أول من أمس، فمن أراد بهم لحاقًا وأسرع -وقد فاتوه بليلتين سيدركهم إذا وردوا في الخامس بعد رحيلهم والخمس بفتح الخاء أي خمس ليالٍ ودل بهذا على ورود الإبل الخمس بالكسر والخمس بكسر الخاء وسكون الميم من أظماء الإبل أن ترعى ثلاثة أيام ثم ترد الرابع والليلة التي بعد ورودها هي ليلة اليوم الخامس بعد مرعاها فمن أجل هذا سمى هذا الورد خمسًا وهو أطول أظماء الإبل، والمجد في السير هو الذي يريد خمسًا- وقول البحتري «وكأن الذي تريد اتباعًا» إنما جاء به على سبيل التأكيد لما كان من قرب اللقاء وقرب الفراق وهو يعلم أن لا سبيل إلى اللحاق.

ثم انظر إلى هذا البيت:

عمرت للسرور دهرًا فصارت ... للتعزي رباعهم والتأسي

فقد انصرف به من معنى اللحاق النسيبي إلى معنى اللالحاق، المشعر بالحزن الداعي إلى الاعتبار والعظات.

ههنا التقت الحالتان الموقوف عندهما -حال الإيوان المنبئ عن حضارة فارسية قد انقضى زمانها، وحال الجعفري الذي عاش في نعمائه البحتري دهرًا ثم انقضى عهد ذلك كل انقضاء.

فلها ان أعينها بدموع ... موقفات على الصبابة حبس

قوله «موقفات على الصبابة» فيه رجعة إلى موضوع النسيب، الذي تقدم من قبل حيث زعم أن اللقاء أول من أمس والفراق أول أمس والذي يريد اتباعًا إلى آخر ما قاله- فإذا جعل الأمر نسيبيًّا صح له أن يزعم أن دموعه صبابة وعشق وما هو إلا واقف على ربع أحباء أو رسم وأثر شبيه بما يعلم أنه تعفى من رسم الأحباء.

ذاك عندي وليست الدار داري ... باقتراب منها ولا الجنس جنسي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015