فكأني أرى المراتب والقو ... م إذا ما بلغت آخر حسي
وكأن الوفود ضاحين حسرى ... من وقوف خلف الزحام وخنس
هذه صورة مختصرة من «الشمس ماتعة توقد بالضحى» ومن زحام موكب العيد ومن مقدم أصناف وفود الروم والقبائل- ثم خلص إلى تصوير مناظر من تجربته في المنادمة عند الخليفة ووزيره الفتح:
وكأن القيان وسط المقاصيـ ... ـر يرجعن بين حوٍ ولعس
فدل بقوله «محمود ولعس» على اختلاف ألوان الجواري وأجناسهن، إذ اللعساء بيضاء اللون فيها حمرة واللعس بالتحريك سواد في لون الشفة يستحسن فاستحسانه في الشفة دل على أن سائر الجسد بلون آخر. والحواء أمنا، وحوتها بإزاء أدمة زوجها آدم والأدمة السمرة، والحواء الشديدة السمرة، أو الشفة الضاربة الحمرة إلى السواد- فجميع هذا منبئٌ عما قدمنا من إرادة البحتري الدلالة على اختلاف ألوان الجواري والقيان. وكان القوم كأنما كانوا يرومون أن يجعلوا من قصورهم فراديس في هذه الدنيا. ومن أوصاف الحور العين في ما ذكروا أنهن من أجناس أربعة، بيض وحمر وصفر وخضر والحوة واللعس كلاهما من ألوان النبات، فتأمل:
وكأن اللقاء أول من أمـ ... ـس ووشك الفراق أول أمس
وهذا إنما عني به لقاء المتوكل وأنسه وفراق جميع ذلك. أول من أمس وأول أمس بمعنى واحد وهو المراد ههنا، لا أن اللقاء كان أول من أمس ثم مرت ليلة الأمس ثم كان الفراق صباح أمس. المعنى أن عهد اللقاء والفراق كل ذلك قريب، كل ذلك كأنما كان أول أمس ثم أصبح صباح الأمس بالدواهي، وذلك أن مقتل المتوكل كان ليلًا فأصبح الناس والدنيا غير ما عهدوه:
وكأن الذي يريد اتباعًا ... طامع في لحوقهم صبح خمس