وكأن البحتري ههنا في حلم، يريه منامه مشهدًا من مناظر المواكب والأبهة التي كان عليها زمان المتوكل.

هنا ينسى المأساة. وينتشي من هذا الحلم -هذا الحلم الذي ما عدا بعد أنه تأمل هذه الصور الخرس النواطق الحية:

قد سقاني ولم يصرد أبو الغو ... ث على العسكرين شربة خلس

ولكأن أبا عبادة الآن نديم المتوكل مرة أخرى.

قد سقاني ولم يصرد أبو الغو ... ث على العسكرين شربة خلس

ما مراده من شربة خلس؟ إما اختلسها مع المنايا المواثل والحرب القائمة، أشركه حلم مذهل فيها ثم فصله عنها لحظة إلى هذه الشربة الخلس. وإما اختلسها من المجتمع المحيط به وكأنه يصف شرابًا صلبًا يسيغه صاحبه دفعة واحدة.

من مدام تقولها هي نجم ... أصوأ الليل أو مجاجة شمس

وتراها إذا أجدت سرورًا ... وارتياحًا للشارب المتحسي

أفرغت في الزجاج من كل قلب ... فهي محبوبةٌ إلى كل نفس

كانت خلسًا ثم صارت أنسًا ومتعة واحتساء ذا تمهل. هذه شراب المتوكل وهو كسرى وهو الآن معه.

وتوهمت أن كسرى أبرويـ ... ـز معاطي والبلبهذ أنسي

لاحظ تكرار الأنس في قافية أبي عبادة مع الذي نبهنا إليه من وروده في الرائية «تغير حسن الجعفري وأنسه». وقد تعلم قول أبي عبادة إذ العيش رغد والمتوكل أمام:

هل العيش إلا ماء كرم مصفق ... يرقرقه في الكأس ماء غمام

وعود بنان حين ساعد شدوه ... على نغم الألحان ناي زنام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015