ما دلالة قوله: «لا يشاب البيان فيهم بلبس» - أهذه تتمة أتم بها البيت على سبيل المبالغة في أمر عظمة ملوك الفرس؟ ألا يكون ذلك مما يخس بقيمة هذا البيت البيانية إن كان أمره لا يعدو أنه تتمة بمغالاة ليس غير؟ أليس أقرب أن يكون قوله:
لا يشاب البيان فيهم بلبس
ما عني به في أعماق نفسه إلا الخليفة المقتول؟ أليس من شأن الشعر أن يكون فيه من المعاني مما يوحي به أكثر مما هو في ظاهر لفظه؟ وكثير من ذلك قد يجيء عن قصد وتعمد له من الشاعر، وكثير منه ربما جاء على غير قصد منه، حتى إنه لا يكون ممن يفطن إليه. وقد تعلم خبر المتنبي إذ قال في كافيته التي ودع فيها عضد الدولة.
وأيا كنت يا طرقي فكوني ... أذاة أو نجاة أو هلاكا
فتطير عضد الدولة من ذلك. وما كان لو لم يقله أبو الطيب ليدفع ذلك عنه القدر، ولكنه ما كان ليثبته لو أحس بقلبه الواعي ما قد وصل إليه فيه قلبه من طريق كأنه كشف.
ومما يقوي زعمنا أن الذي لا يشاب البيان فيه بلبس قوله في الرائية:
كأن لم تبت فيه الخلافة طلقة ... بشاشتها والملك يشرق زاهره
ولم تجمع الدنيا إليه بهاءها ... وبهجتها والعيش غض مكاسره
فأين الحجاب الصعب حيث تمنعت ... بهيبتها أبوابه ومقاصره
وأين عميد الناس في كل نوبةٍ ... تنوب وناهي الدهر فيهم وآمره
هذا هو الذي لا يشاب البيان فيه بلبس. وليس الأمر مجرد تتمة بيت وجعل البحتري يتأمل صورة أنطاكية. وأحسب أن المتنبي لم يخل من نظر إلى تصوير