الأكناف عالية الذرى مثل هذا البنيان الذي بقيته التي كأنها فتحة كهف جسيم فاغرة من جنب جبل عظيم.
ومساعٍ لولا المحاباة مني ... لم تطقها مسعاة عنس وعبس
أي قيس واليمن، عبس قبيلة قيسية وعنس قبيلة يمنية. وتأمل الصنعة في سينات السعدي- بابس- ملس- مساع- مسعاة- عنس- عبس. وهل تزندق البحتري شيئًا بذكره عبسًا وعنسًا وهو العربي البعيد كل البعد عن الزندقة والشعوبية؟ كان لعبس في الجاهلية نبيٌّ أضاعوه فلم يتبعوه هو خالد بن سنان وكان لعنس في الإسلام متنبئ من أصحاب الردة هو الأسود العنسي. وسواد اللون يجمع بينه وبين أشهر أبطال جاهلية فروسية العرب وهو عنترة بن شداد العبسي- فسين القافية مع تداعي بعض هذه المعاني هو على اراجح مما يكون قاده إلى الجمع بين عنس وعبس. وجعل الثانية هي القافية لورود عنس بالنون قافية من قبل.
هذا ويجوز -ولا تستبعد ذلك أيها القارئ الكريم- يجوز أنه أورد كلامه هذا كله على سبيل الكناية، وإذ هو يبكي على المتوكل والفتح، فما هذا الإيوان إلا رمز للجعفري وحسنه، وقد تعلم قوله في ذلك.
تغير حسن الجعفري وأنسه ... وقوض بادي الجعفري وحاضره
أما حاضر الجعفري فلا يخفى، إذ كان هو بحبوحة حضارة ذلك الزمان، فما باديه؟ هل أراد ببادي الجعفري عربيته التي يمثلها الخليفة وبحاضره أعوان الخلافة من بقية حضارة فارس: الفتح وعبيد الله وآل طاهر في خراسان؟ وتأمل قوله: وأنسه -وهو إنما قصد «أبيض المدائن». لما غلبته الوحشة وفقد الأنس والأنيس:
ولقد رابني نبو ابن عمي ... بعد لين من جانبيه وأنس