لهذا الوصف في هذا الصدد. وإنما وصف حال نفسه من قبل ومن بعد حيث قال:

وبعيد ما بين وارد رفه ... عللٍ شربه ووارد خمس

وقد جرد فيها مع نعومة ريشة المصور حدًّا مرهفًا من جسارة حسام قلب مفكر -تأمل قوله:

ذكرتنيهم الخطوب التوالي ... ولقد تذكر الخطوب وتنسي

وهم خافضون في ظل عال ... مشرف يحسر العيون ويخسي

مغلقٍ بابه على جبل القبـ ... ـق إلى دارتي خلاطٍ ومكس

أي كأن الإيوان هو جبل القبق، وذلك أنه في أرض منبسطة هو فيها كالجبل بإشرافه وارتفاعه، وقد فصل هذا المعنى من بعد عند قوله «جوب في جنب أرعن جلس البيت».

حللٌ لم تكن كأطلال سعدي ... في قفارٍ من البسابس ملس

لا يقصد ههنا إلى الزراية بأطلال سعدى على طريقة التبرم بالأطلال النواسية وغير النواسية وما أشبه وإن يك في ظاهر اللفظ نفس من ذلك، ولكنه قصد إلى أن ينبهنا أنه الآن واقف على طلل، غير أن طلله ليس بطلل بداوة صحراوية هو طلل بداوة شعرية، هو أثر بنيان حضارة ضخمة عفاها الزمان، وليس مجرد ادعاء تعريج على رسم متوهم لحبيبة بالصحراء. التبرمة التي ههنا من جنس تبرمة الكميت حيث قال:

ولم تلهني دار ولا رسم منزل ... ولم يتطربني بنان مخضب

ولكن إلى أهل الفضائل والنهى ... وخير بني حواء والخير يطلب

ثم وقف البحتري عند تأمل هذه الآثار وما تدل عليه من حضارة كانت ضخمة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015