وبرنة ديباجة كامل جرير:

إن الذين غدوا بلبك غادروا ... وشلا بعينيك لا يزال معينا

غيضن من عبراتهن وقلن لي ... ماذا لقيت من الهوى ولقينا

وقد نظم البحتري في الطويل والبسيط والخفيف وسواهن ورنة ديباجته في جميع أولئك لها نغم وإيقاع واقد وهاج. إلا أنها في الكامل أظهر وأشد وقدة ووهجًا. وقد استشهد الدكتور طه حسين رحمه الله في معرض التنبيه على إحسانه بعينيته:

منى النفس من أسماء لو تسطيعها ... بها وجدها من غادة وولوعها

وبشيء من خفيفه:

لي حبيب قد لج في الهجر جدا

وأيها العاتب الذي ليس يرضى

وأحسب أن كامل البحتري هو خاصة أدل شيء على مذهبه الفذ. وقد كان أبو تمام يجيد رنين الكامل ويواتيه مذهبه الفحل فيه كل مواتاة وكأن فيه أصداء من أسر لبيد.

وتأمل هذه الأبيات، وقد استشهدنا بالأربعة الأوليات منها في الجزء الثاني في باب التكرار، وقد جارى برويها وبحرها معلقة عنترة:

هذي المعاهد من سعاد فسلم ... واسأل وإن وجمت ولم تتكلم

آيات ربعٍ قد تأبد منجد ... وحدوج حيٍ قد تحمل متهم

لؤم بنار الشوق إن لم تحتدم ... وضنانة بالدمع إن لم يسجم

وبمسقط العلمين ناعمة الصبا ... حيرى الشباب تبين إن لم تصرم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015