وقوله:
طلبت ربيع ربيعة الممهى لها ... وتفيأت ظلالها ممدودا
بكريها علويها صعبيها الـ ... حصنى شيبانيها الصنديدا
ذهليها مريها مطريها ... يمنى يديها خالد بن يزيدا
نسب كأن عليه من شمس الضحى ... نورا ومن فلق الصباح عمودا
ولكنه لم تكن له، على جزالته ومتانه أسره، ديباجة البحتري حين يبلغ بها أسماها. ديباجة البحتري هبة وهبها الله. أصاب ابن رشيق حيث ذكر أنه كانت للبحتري صناعة خفية. ولكنه كان مطبوعًا مع ذلك. وامتزاج الصنعة مع الطبع عنده نشأ منه «سلسال ديباجته الحصب» ونستعير بعض هذا اللفظ من أبي تمام الذي هو كما قال ابن الأثير رب معان وصيقل الباب وأذهان، وهذه الإضافة ليست لمجرد إكمال السجع ولكن مكانها في مقاله كمكان إضافات ابن المعتز التي تقدم ذكرها.
ديباجة البحتري تنعيم للمذهب الجلد الجبار الذي جاء به أبو تمام: ولكنها هي في ذات نفسها فتح مبين ومسلك فذ. وبداوة شعرية قائمة بذاتها. فأصبحت أمام رواد الشعر بداوتان منبعثتان من صميم حضارة المائتين الثانية والثالثة، إحداهما كأنها فحل أبي تمام القطم الذي وصفه في بائيته فقال:
على كل موار الملاط تهدمت ... عريكته العلياء وانضم حالبه
والأخرى كقلوص أبي عبادة النفيسة التي ذكرها فقال:
حنت قلوصي بالعراق وشاقها ... في ناجر برد الشام وريفه
أشبه شيء برنة ديباجة كامل عنترة في المعلقة:
ما راعني إلا حمولة أهلها ... وسط الديار تسف حب الخمخم
فيها اثنتان وأربعون حلوبةً ... سودا كخافية الغراب الأسحم